أشار ابن خلدون في مقدمته بقوله: (إن هؤلاء المتأخرين من المتصوفة المتكلمين في الكشف وفيما وراء الحس، توغلوا في ذلك، فذهب الكثير منهم إلى الحلول والوحدة.. كابن عربي وابن سبعين وابن الفارض، وكان سلفهم مخالطين للإسماعيلية المتأخرين من الرافضة الدائنين أيضاً بالحلول وإلهية الأئمة، مذهباً لم يعرف لأولهم، فأشرب كل واحد من الفريقين مذهب الآخر، واختلط كلامهم، وتشابهت عقائدهم).(1)
إن التجانس الحاصل بين الفكر الصوفي والشيعي الرافضي أمر مشهور لا يكاد يخفى على من له أدنى مسكة من عقل، فالتصوف خرج من رحم الرفض، ولا ينكر ذلك إلا جاهل غر، ولهذا نجد تشابها كبيرا -إن لم نقل تطابقا- بين أفكار المتصوفة والرافضة. وإلى هذا المعنى أشار ابن خلدون في مقدمته بقوله: (إن هؤلاء المتأخرين من المتصوفة المتكلمين في الكشف وفيما وراء الحس، توغلوا في ذلك، فذهب الكثير منهم إلى الحلول والوحدة.. كابن عربي وابن سبعين وابن الفارض، وكان سلفهم مخالطين للإسماعيلية المتأخرين من الرافضة الدائنين أيضاً بالحلول وإلهية الأئمة، مذهباً لم يعرف لأولهم، فأشرب كل واحد من الفريقين مذهب الآخر، واختلط كلامهم، وتشابهت عقائدهم).( 2)
بل لقد ألف الدكتور كامل مصطفى الشيبي كتابا كاملا سماه: الصلة بين التصوف والتشيع فالأمر إذن لم يعد سرا أو محل جدال بل هو من البديهيات.
يقول الدكتور محمد بن عبد الرحمن المغراوي في كتابه الماتع: الأسباب الحقيقية لحرق إحياء علوم الدين: “وأما التشيع فهو العمود الفقري والسائل الدموي للتصوف، فمن قرأ التصوف وأمعن النظر يجد أن أصول التشيع قد امتدت فروعها، ومثلها المتصوفة أحسن تمثيل.” ص 23
وحتى تتضح الصورة بجلاء نبين أهم أوجه التلاقي بين الصوفية والرافضة، والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل.
أولا: الانتساب إلى أهل البيت والغلو فيهم
فمن المعلوم أن أساس الرافضة مبني على هذا المبدأ ومن أجله قالوا بكفر الصحابة لأنهم ظلموا آل البيت وسلبوا من علي الخلافة وحرفوا القرآن وما إلى ذلك من الأكاذيب والترهات، وكذلك الصوفية غلوا في علي وجعلوا سلاسلهم تنتهي إليه فلا تكاد تجد طريقة من الطرق الصوفية إلا وتزعم أنها من النسب الشريف وغرضهم في ذلك جذب العوام وإخفاء انحرافاتهم وأهدافهم اللعينة حتى قال الصوفي المشهور أبو العباس المرسي تلميذ الشاذلي: (طريقتنا هذه لا تنسب للمشارقة ولا للمغاربة، بل واحد عن واحد إلى الحسن بن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه وهو أول الأقطاب).(3 )
ومتى كانت الأنساب تحمي من العقاب وقد قال الله جل وعلا لنوح النبي الرسول عليه السلام في فلذة كبده وقرة عينه “إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح” وفي الحديث الذي رواه الإمام مسلم “من بطأ به عمله لم يسرع به نسبه”
ولله در ابن الوردي حين قال:
لا تقل أصلي وفصلي إنما أصل الفتى ما قد حصل
ثانيا: ادعاء علم الغيب واستمرار نزول الوحي على الأئمة وأنهم أفضل من الأنبياء
فمعتقد الشيعة أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه يوحى إليه من الله ويكلمه بما يريد من غير واسطة كما أن أئمتهم الإثني عشر كلهم يأخذون من الله ويوحى إليهم ويعلمون ما كان وما سيكون حتى قال طاغوتهم الأكبر في العصر الحديث الخميني في كتابه الحكومة الإسلامية ص 52: “فإن للإمام مقاما محموداً، ودرجة سامية، وخلافة تكوينية تخضع لولايتها وسيطرتها جميع ذرات هذا الكون. وإن من ضروريات مذهبنا أن لأئمتنا مقاماً لا يبلغه ملك مقرب ولا نبي مرسل”.
ويقول نعمة الله الجزائري في الأنوار النعمانية 1/20 – 21 موضحا رأي الشيعة الإمامية في المفاضلة بين الأنبياء وأئمتهم: “اعلم أنه لا خلاف بين أصحابنا رضوان الله عليهم في أشرفية نبينا على سائر الأنبياء عليهم السلام للأخبار المتواترة وإنما الخلاف في أفضلية أمير المؤمنين والأئمة الطاهرين عليهم السلام على الأنبياء ما عدا جدهم”.
وهذا الكلام من الرافضة هو عين ما يقوله المتصوفة لأنهم في الضلال أبناء علات فهذا عبد القادر الحلبي المعروف بابن قضيب البان يقول: (كل ما خصت به الأنبياء خصت به الأولياء).(4 )
وإن تعجب لهذا الحكم الصوفي الذي ختم مباراة ضلاله بنتيجة التعادل بين الأنبياء والأولياء فعجب قول كبيرهم البسطامي الذي منح الفوز للأولياء جاعلا نفسه منهم بقوله: “خضنا بحرا وقف الأنبياء على ساحله”.
ثالثا: القول بعصمة أئمتهم وأنهم لا يرد لهم قول
وهذه عقيدة رافضية الأصل فهم يرون أن أئمتهم معصومون من الخطإ والزلل وأن كلامهم مقدس تماما ككلام الله عز وجل.
يقول محمد رضا المظهر في كتابه عقائد الإمامية ص 91 دار الصفوة-بيروت: “ونعتقد أن الإمام كالنبي، يجب أن يكون معصوما من جميع الرذائل والفواحش، ما ظهر منها وما بطن، من سن الطفولة إلى الموت عمداً وسهواً، كما يجب أن يكون معصوما من السهو والخطأ والنسيان”.
وهذا عين ما يعتقده الصوفية في أوليائهم فهذا ابن عربي يقول: (إن من شرط الإمام الباطن -يعني الولي- أن يكون معصوماً وليس الظاهر كذلك).(5 )
وإلى نفس هذا المعنى يشير من لج في الحماقة ببلادنا في كتابه الإحسان الرجال ص 56 بقوله: “إن إسلاس القياد لولي مرشد يدلك على الطريق شرط في السلوك وما كان لولي أن يأمر إلا بحق”
واعلم بأن غرض هذا الخرافي وأمثاله من هذا الكلام هو إلجام الأتباع والمريدين عن الاعتراض عليهم ومناقشتهم بالدليل حتى يتسنى لهم نشر قبائحهم وخزعبلاتهم دون أي عائق يذكر. ورحم الله إمام دار الهجرة مالك حين قال: “ما منا إلا راد ومردود عليه إلا صاحب هذا القبر” وأشار إلى قبر الرسول عليه الصلاة والسلام.
رابعا: تقديس القبور والأضرحة والشرك بالله
وهذه واضحة وضوح الشمس عند كلا الفرقتين وإن كان الشيعة هم أول من بنى المشاهد والأضرحة على من يعظمونهم من آل البيت وجعلوا لذلك مناسك خاصة من طواف وصلاة واستغاثة…حتى قالوا بأن الله يزور قبر علي بن أبي طالب رضي الله عنه كما روى ذلك الكليني في كتابه الكافي “7/580” والواقع خير شاهد على هذه الحقيقة ويكفي المرء أن يتذكر طقوس عاشوراء عند الرافضة ليعلم مدى تقديسهم للقبور وشركهم الصريح بالعزيز الغفور. وقد ألف شيخهم ابن النعمان كتاباً سمّاه “مناسك المشاهد”.
وجاء المتصوفة فنسجوا على منوال الرافضة وعظموا القباب والقبور تعظيما يذهب بالألباب وظهر بسبب ذلك ما سمي بالزوايا وأصبح من الواجب على الصوفي أن ينتمي إلى إحداها ويأخذ طريقتها وأورادها.
فكيف يترك سليم العقل اتباع القرآن الكريم والسنة المطهرة وأثر السلف الصالح ويتبع خرافات وضلالات مخترعة مبتدعة ما أنزل الله بها من سلطان؟
فهذا الحق ليس به خفاء فدعني من بنيات الطريق
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1 ) مقدمة ابن خلدون: الفصل الحادي عشر في علم التصوف، ص473، طبعة القاهرة.
( 2) مقدمة ابن خلدون: الفصل الحادي عشر في علم التصوف، ص473، طبعة القاهرة.
( 3) طبقات الشعراني: جـ2، ص14.
( 4) المواقف الإلهية: ابن قضيب البان، ص20، ملحق بكتاب الإنسان الكامل لعبد الرحمن بدوي، طبعة وكالة المطبوعات، الكويت، 1976م.
( 5) الفتوحات المكية: جـ3، ص183.