هناك إجماع وطني رسمي وشعبي على إخفاق مشروع التعليم بالمغرب، بكل مراحله وأصنافه، منذ مراحل بداية الاستقلال إلى اليوم؛ فالمجال التعليمي والتربوي الذي عرف العديد من المخططات والمناهج الأساسية تارة والترقيعية تارة أخرى من أجل النهوض به والتغلب على مشاكله لم يستطع تجاوز أزماته المتكررة التي كانت أكبر من تحقيق أي تطور ملموس، وهو ما دفع مستشار الملك في مجال التربية والتعليم والثقافة مزيان بلفقيه ليقر بإفلاس النظام التعليمي بعد صدور دراسة أنجزها المجلس الأعلى للتعليم، وصدرت هذه الدراسة بعد تقارير دولية تنص على تدني مستوى التعليم في المغرب.
إن تردي واقع التعليم ببلدنا يعكس فشل التدابير والمخططات التي اتخذها واضعو (ميثاق التربية والتكوين)، فالبنيات التحتية للتعليم أصغر بكثير من أن تستوعب جحافل التلاميذ الذين يرغبون في التمدرس، كما أن منتوج التعليم لا يتوافق وحاجة سوق الشغل.
وقد أفادت الاحصائيات أن الهدر المدرسي بلغ حوالي 400 ألف تلميذ كل سنة، وأن نسبة 25% من تلاميذ المدارس يتركون الدراسة قبل السنة الخامسة، ويبقى فقط 10% حتى السنة الحادية عشرة..
هذا دون الحديث طبعا عن الحالة المزرية التي وصلت إليها كثير من المؤسسات التعليمية، وتأخر انتهاء أشغال البناء والإصلاحات ببعضها الآخر، وأساتذة أشباح وآخرون ضعاف التكوين والتأطير، أو منعدمي الضمير الديني والمهني، مع انعدام إعادة تطوير الأطر التعليمية بشكل منظم وجاد..
فهل يمكن تحقيق جودة التعليم في ظروف كهذه، وفي ظل الميز الدراسي وعدم تكافؤ الفرص بين أبناء المغاربة، وضعف المنظومة التربوية وتفريغها من الثقافة والهوية الدينية للمغاربة؟
لقد أصبح مستوى التعليم في المغرب يعرف تدنيا كبيرا سواء على مستوى البرامج الموضوعة أو المستوى الدراسي عند التلاميذ، فالمتتبع للمقررات الدراسية يجدها تفتقد لمقومات التعليم البناء الذي يكون كفيلا ببناء الشخصية الإسلامية بسبب ما ضمن في هذه المقررات من تلقين القيم الغربية على حساب القيم الإسلامية.. والتجاوز على من يُعمِل معاول الهدم في مجتمعنا بحجة حرية الاختلاف وحرية الرأي والاعتقاد وحرية الفكر، والتنظير لتقديس الحرية الفردية التي تكفر بكل قيد شرعي أو أدب مرعي من شأنه التحديد من سطوتها.
وبالتالي فإن التعليم في المغرب عبارة: عن مؤسسة تقوم بإنتاج وإعادة إنتاج وتكريس نوع من الفراغ، في ظل الشروط العامة المرتبطة بالسياسة التعليمية المعمول بها، والتي أدت إلى نوع من التيئيس والإحباط لدى التلاميذ، لعدم ارتباط التعليم بسوق الشغل والتنمية.
كما نجد أن المنظومة التعليمية غير منسجمة حيث نلاحظ أن هناك تعليما عموميا وتعليما خاصا..
فالتعليم العمومي يعاني من الإهمال وضعف التأطير مع المشاكل التي سبق ذكرها، والتعليم الخاص غالبه يتبنى البرامج والمقررات الغربية المستوردة التي تمرر القيم العلمانية والفكر المادي الإلحادي في الكثير من دروسها، بالإضافة إلى تمرير بعض معتقدات النصارى إلى التلاميذ وتربيتهم على التنكر والانسلاخ من القيود الشرعية المؤسسة لسلوك المسلم التعبدي وسلوكه كفرد داخل مجتمعه.
قال “لورد سالسبري” وهو يتحدث عن دور مثل هذه المدارس: “إن هذه المدارس هي أول خطوة لاستعمار الشعوب التي تنشأ فيها، فإنها تخرج فيها طائفة تخالف سائر أمتها في عقائدها وتفكيرها وتقاليدها، فتحدث فيها صدعاً وشقاقاً تنقسم به على نفسها فيقتلها هون الانقسام بأيديها” (تاريخ الصحافة الإسلامية، أنور الجندي، 1/271).
ولن يُمَكَّن للاحتلال الفكري الذي هو استمرار للاحتلال العسكري بل أشد إلا إذا همشت اللغة العربية مقابل التمكين للغة الفرنسية، لذلك حوربت مشاريع تعريب التعليم في مهدها ببلدنا، ولبيان دور اعتماد اللغة العربية في تقدم ورقي المغرب (مع التمسك بالهوية) يقول الدكتور المهدي المنجرة خبير المستقبليات في أحد حواراته: “لا أقبل من أي أحد أن يقول إنها قضية “بيداغوجية”، وأن لنا مشاكل، وأن التعريب صعب، وصعب أن نستعمل اللغة العربية في تعليم الكيمياء والبيولوجيا. فهذا كلام لا أساس له؛ لأن التجارب في العالم بأسره برهنت أنه بدون الاعتماد على اللغة الوطنية، وبدون اللغة الأم في تعليم العلوم لن يكون هناك تقدم حقيقي، وأستطيع أن أقدم لك نماذج من كوريا وتايوان واليابان وماليزيا والصين وغير ذلك”.
إن انعدام التعليم الهادف الذي لا ينطلق من الهوية الدينية الإسلامية جعل المؤسسات التعليمية مرتعا للظواهر الشاذة كالتبرج الفاحش، وتعاطي المخدرات، وأحيانا الخمر، والعلاقات غير الشرعية، والغش في الامتحانات، وعدم إعطاء قيمة للدراسة والتعلم من طرف التلاميذ.
كما أن تقدم السلوك التربوي عند المغاربة رهين بتعليم يعتمد التربية على الهوية والقيم الدينية، وإعادة صياغة المقررات انطلاقا من هويتنا وديننا وثوابتنا، وتوظيف الكفاءات الحية التي تؤمن بمصلحة الأمة ولا تقبل أن تكون راعية لمشاريع الغرب والمصالح الشخصية على حساب الأمة المغربية..