التأثير القرآني والنبوي في طرائق تفكير المسلمين

النقلة الحضارية الكبيرة التي خطاها المسلمون، من حياة الصحراء، إلى عقلانية التفكير وازدهار المدينة وارتقاء العلم، كلها مدينة إلى التأثير القرآني والنبوي في طرائق تفكير المسلمين، وفي وعيهم ولا وعيهم، وفي البنية النفسية والعقلية للأمة المسلمة، حيث كان العلم والبحث والعقل محاور مهمة في النصوص الشريفة، ومقاطع أساسية في الخطاب الإلهي المنزل، والشريعة المحكمة.
وقد كان للمحورية المركزية للعلم في الثقافة الإسلامية الأثر البالغ في هذه النقلة.
حيث حوربت الأمية في بداية الرسالة، ولعلها بدأت من قول الله عز وجل: (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ. خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ. اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ. الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ. عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ) [العلق:1-5] وهي آيات خالدات تتلى إلى يوم القيامة، وفيها إشارة تنبه المسلمين إلى أهمية القراءة، والعلم، والقلم، وتترك فيهم همًّا مكنونا نحو هذه المقاصد الأساسية.
وهنا يستحضر العلماء ما رواه ابن سعد في “الطبقات الكبرى” (2/ 22) قال: أخبرنا الفضل بن دكين، أخبرنا إسرائيل، عن جابر، عن عامر، قال: (أَسَرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر سبعين أسيرا، وكان يفادي بهم على قدر أموالهم، وكان أهل مكة يكتبون، وأهل المدينة لا يكتبون، فمن لم يكن له فداء دفع إليه عشرة غلمان من غلمان المدينة فعلَّمهم، فإذا حذقوا فهو فداؤه).
وقد امتدت هذه الحملة لمحاربة الأمية في القطاع النسائي، فكانت المتعلمة تجود بعلمها على الأمية، فتعلمت أم المؤمنين حفصة الكتابة من الشفاء بنت عبد الله، كما في “مسند أحمد” (45/46).
وتطورت المسيرة أيضا لتعلم اللغات الأجنبية، ولم تقتصر على اللغة العربية، كما ثبت عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ: (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُ أَنْ يَتَعَلَّمَ كِتَابَ اليَهُودِ. حَتَّى كَتَبْتُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُتُبَهُ، وَأَقْرَأْتُهُ كُتُبَهُمْ، إِذَا كَتَبُوا إِلَيْهِ) رواه البخاري في “صحيحه” (رقم7195).
وبالإضافة إلى محاربة الأمية، كانت هناك منظومة زخمة من النصوص الشرعية تبين فضيلة العلم، وتعلي من شأن العلماء، وتقرنهم بالملائكة رفعةً ومنزلة، وتفضل اجتهادهم في علمهم -مع الصديقية- على سائر الأعمال…

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *