في الوقت الذي تعاني فيه النصرانية في أوروبا مشكلات؛ وذلك من قمتها في الفاتيكان باستقالة البابا وتوالي الفضائح للرهبان؛ حتى تصل إلى قاعها المتمثلة في غلق الكنائس لعدم وجود مرتادين لها في فرنسا وهولاندا وغيرها، في نفس هذا الوقت الذي يهاجم فيه الإسلام والمسلمون هجوما شاملا نجد أن النتائج تسير على عكس ما يريدون ويخططون فيزداد بفضل الله الإسلام انتشارا في القارة الأوروبية بأكملها.
وتعتبر فرنسا مركز الثقل النصراني في مهاجمة الإسلام والمسلمين؛ سواء داخل القارة الأوروبية أو خارجها، فبالإضافة إلى محاربتها للمسلمين داخل فرنسا واعتبارهم المسلمين -حتى الفرنسيين منهم- كمواطنين من الدرجة الثانية؛ كان لها دور خارجي في محاربة الإسلام لم ينقطع منذ قرون، فجردت جيشها لمحاربة المسلمين في مالي وارتكبت من المذابح والفظائع التي يندى لها الجبين البشري.
ولكن نور الله سبحانه لن يقف أمامه حائل مهما حورب، وربما تكون الحرب الشديدة الموجهة ضده هي السبب الأول في انتشاره، ولهذا فكلما زادت الضغوط على المسلمين كلما زادوا تمسكا بالإسلام، وهذا مشاهد في كثير من دول العالم، وربما تكون البوسنة والهرسك خير مثال على ذلك.
ولقد أدلى وزير الداخلية الفرنسي “مانويل فالس” في بروكسيل بتصريح غاية في الأهمية لصحيفة نمساوية حول تعداد المسلمين، ويعتبر ذلك التصريح ذا أهمية خاصة حيث إنه لا توجد إحصاءات رسمية عن هذا التعداد لكون القانون الفرنسي يمنع إجراء إحصاءات استنادا إلى الانتماء الديني.
فتحدث فالس عن تزايد المسلمين السريع في فرنسا مؤكدا على أن الإسلام سوف يصبح الدين الرسمي الثاني في فرنسا خلال السنوات القليلة القادمة وسوف يزيد عدد معتنقيه -داخل فرنسا وحدها- عن ستة ملايين مسلم.
وفي حصر رسمي فرنسي عن المساجد والقاعات التي يؤدي فيها المسلمون صلاتهم داخل فرنسا قال فالس: “لدينا بين 2200 و2300 مسجد وقاعات للصلاة في جميع أنحاء البلاد، ويجب على فرنسـا وأوروبا أن تعترف أن الإسلام متوافق مع الديمقراطية وحقوق الإنسان والمرأة”.
وتعجب وزير الداخلية من سرعة انتشار الإسلام داخل فرنسا بهذه النسب المرتفعة فقال: “إن تاريخ البشرية نادرًا ما شهد انتشار دين بهذه الطريقة في مثل هذا الوقت القصير”.
وعلى الرغم من مطالبة وزير الداخلية لفرنسا وللعالم الغربي بالاعتراف بأن الإسلام متوافق مع الديمقراطية وحقوق الإنسان؛ إلا أن هناك تخوفا بالفعل لدى الأوساط الرسمية الفرنسية من تزايد المسلمين وذلك خشية تأثيرهم العام أو تأثيرهم بأصواتهم في الانتخابات في تحديد سياسة فرنسا الداخلية والخارجية التي تتسم بالعلمانية المعادية للأديان عامة وللإسلام خاصة.
ويواجه المسلمون بشكل عام منذ فترة طويلة عددا من المشكلات الحياتية المتعلقة بدينهم داخل المجتمع الفرنسي، ويجتهدون كثيرا مع الحكومة الفرنسية للوصول إلى حلول مناسبة لها، مثل:
مشكلة الأعياد الإسلامية
حتى وقت قريب لم يكن يحدد للمسلم الفرنسي جدول إجازاته وفقا لأعياده في ديانته، فكانوا يواجهون مشكلة كبيرة في التواصل مع أسرهم إذ يحتم عليهم أن يكونوا داخل أعمالهم في أوقات أعيادهم، ونتيجة لتزايد المسلمين أصبح مألوفا أن يسمح للعمال والموظفين تحديد أيام إجازاتهم لتتناسب مع مناسباتهم وأعيادهم.
مشكلة اللحوم المذبوحة وفق الشريعة الإسلامية
تواجه المسلمين في فرنسا وغيرها من الدول الغربية مشكلة اللحوم التي لا تتوافر إلا مصحوبة بلحوم خنزير أو داخلة في تصنيعها وكذلك اللحوم التي لا تذبح على الشريعة الإسلامية سواء بالصعق أو القتل، ويحاول المسلمون أيضا التغلب على تلك المشكلة حاليا؛ واضطرت البلديات في فرنسا للسماح لهم بعدة اشتراطات.
مشكلة المقابر للمسلمين
دائما ما يحاول المسلمون في فرنسا إقامة مقابر خاصة بهم لا يدفن فيها سواهم من المنتسبين للديانات الأخرى، ولكن يصطدمون بالقانون الفرنسي الذي يمنع انفراد أبناء ديانة بالدفن في مقابر منفصلة ويمنع تقسيمها دينيا، وتمت إقامة مقبرة استثنائية للمسلمين واعترضت عليها الحكومة، ونظرا لتزايد عدد المسلمين ولتكاثر مطالباتهم بدأ الأمر في الانفراج مؤخرا.
ورغم كل هذه المشكلات والعقبات، ورغم كل هذه المبشرات إلا أن المشكلة الأكبر التي تواجه المسلمين في العالم الغربي كله لا تأتي من خارجهم بقدر ما تأتي من تفرقهم وعدم توحد كلمتهم وانقسامهم إلى شيع ومذاهب وطوائف تضعف كثيرا من قوة تأثيرهم؛ وربما تمنع الكثيرين من الدخول في الإسلام.
مركز التأصيل للدراسات والبحوث