السنة الأمازيغية أكذوبة تاريخية هوية بريس

عند اقتراب يوم 13 يناير من كل سنة تتعالى أصوات لجمعيات أمازيغية تنادي بجعل هذا اليوم عيدا وطنيا رسميا باعتباره رأس السنة الأمازيغية وتنظم بالمناسبة مسيرات وتظاهرات وأنشطة متعددة تهدف بها إلى التميز عن باقي مكونات الشعب المغربي وخلق هوية خاصة بـ”الشعب الامازيغي” داخل “وطن أمازيغي” تسميه تامزغا، يمتد من أقصى موريتانيا حتى واحة سيوة بمصر، وترفع راية واحدة هي ما يسمى بالعلم الأمازيغي في شتى مناشطها في غياب تام للعلم المغربي الذي يلتف حوله كل المغاربة، بل وصل الأمر إلى معاداة العلم المغربي والصفير ضده وضد النشيد الوطني من طرف جهة مندسة داخل الجمهور الأكاديري الذي يناصر حسنية أكادير في ملعب الانبعاث يوم الأحد 25 دجنبر 2016.
ما هي مبررات الاحتفال بالسنة الأمازيغية؟
بالنسبة للسنة الأمازيغية يدعي بعض النشطاء أنها جاءت بعد الانتصار الكبير لـ”شيشونق” -المرتزق الليبي كما يسميه محمد شفيق- على فراعنة مصر واستيلائه على السلطة سنة 950 قبل الميلاد. فما حقيقة هذا الانتصار الكبير الذي حققه شيشونق على فراعنة مصر؟
حين نرجع إلى كتب التاريخ لا نجد لهذا الانتصار المزعوم أي أثر بل كل ما قام به شيشونق هو مجرد انقلاب عسكري على الأسرة الفرعونية الحاكمة “تسلل المشوش والليبو، اسماء لقبائل ليبية هاجرت إلى مصر العليا ثم تشعبت القبائل الليبية على نطاق واسع في مصر… وعمل الليبيون مرتزقة في الجيش المصري منذ أيام رمسيس الثاني” (من كتاب تاريخ مصر الخالدة ص 784).
إذن هو مجرد هجرة للقبائل الليبية من ليبيا إلى مصر بحثا عن لقمة العيش في وادي النيل في زمن حكم الأسرة العشرين من حكم الفراعنة. لقد انتقل الجد السادس لأسرة شيشونق قبل مئتي سنة تقريبا من ميلاد شيشونق مما يدل على أن أسرته اندمجت كليا في المجتمع المصري في القرن 12 قبل الميلاد.
“لا يمكن أن نعتبر هذه الجماعات (الليبية) غزاة قاموا بغزو البلاد كما فعل الهكسوس من قبل” (كتاب مصر الخالدة ص 852)، بل غالبا ما يكونون مرتزقة في الجيش المصري كما يشير إلى ذلك محمد شفيق المدير السابق للمعهد الملكي للثقافة الأمازيغية.
يقول شفيق: “لم يتأت للأمازيغيين قبل إسلامهم أن يفتحوا أراضي أجنبية ويستعمروها… لكن سلالات منهم وجدت مع ذلك سبيلا غير مباشر للاستيلاء على الملك في أعظم مملكة عرفها التاريخ وأطولها عمرا، ألا وهي مصر الفرعونية… فاستوطنت قبائل “بربرية” وادي النيل وصارت تمد الجيوش الفرعونية بالجنود. وفي أواخر الألف الثاني قبل الميلاد كان عدد من أولائك “المرتزقة” قد تبوؤوا مناصب عمال في الأقاليم، وكانت الأوضاع السياسية متردية، فلم يوشك القرن الأول من الألف الأول أن ينتهي حتى استولى الزعيم الليبي شيشونق على العرش المصري ودشن عهد الأسرة الفرعونية الثانية والعشرين سنة 935 ق.م” (ص16 من كتاب لمحة عن ثلاثة وثلاثين قرنا من تاريخ الأمازيغيين).
إذن الأمر يتعلق بمرتزقة استولوا على الحكم ويريد منا بعض النشطاء الأمازيغ أن نحتفل بانقلاب مرتزق على أسرة حاكمة ونجعل تاريخ انقلابه بداية للسنة الأمازيغية، لاحظوا أن الأستاذ شفيق وصف هؤلاء الليبيين الأمازيغ بالمرتزقة ثم إنه لم يتحدث نهائيا عن السنة الأمازيغية عند كلامه عن استيلاء شيشونق على السلطة، مما يدل على أن هذه السنة مجرد وهم واختلاق لا غير.
ولابد أن نلاحظ هنا أن كتب تاريخ شمال إفريقيا لم تشر إلى السنة الأمازيغية حين تتحدث عن سيطرة شيشونق على الحكم الفرعوني، بل إنها تشير إلى هذا باعتباره حدثا يخص التاريخ المصري الفرعوني حيث إن هذه السلالات الأمازيغية انسلخت عن الأمازيغ واندمجت في المجتمع والتاريخ المصري ولم تأت اخبارها إلا عن طريق الكتابات الهيروغليفية واللغة المصرية القديمة.
وفي الأخير نظن ان اختراع ما يسمى بالسنة الامازيغية مجرد مناكفة هوياتية يسعى منها بعض النشطاء الأمازيغ المتطرفين للبحث عن هوية مقابلة للهويات المخالفة، ففي مقابل اللغة العربية تخترع لغة أمازيغية معيارية موهومة لا يعرفها أحد الا مخترعوها، وفي مقابل العلم الوطني المغربي يخترع عَلم خاص لا يعترف به إلا القلة من النشطاء المتعصبين، وفي مقابل الوطن المغربي ينادى بالوطن الامازيغي تامزغا وفي مقابل الحرف العربي هناك تيفيناغ وفي مقابل السنة الهجرية تخترع السنة الأمازيغية .
لماذا يحتفل المغاربة بيوم 13 يناير؟
يحتفل المغاربة والأمازيغ عموما في شمال إفريقيا بيوم 13 يناير ويسمونه “أيناير أو ناير ويسمى أيضا أوسكاس أو ايخف أو سكاس أو حكوزة حسب اختلاف التعابير الامازيغية والمغاربية. ( جريدة العلم 28 دجنبر 2016).
وتعتبر اكلة اوركيمن وتاكلا والكسكس إحدى الوجبات المهمة في ذلك الاحتفال. (العلم 28 دجنبر 2016)
إن الاحتفال بـ”ناير” عند المغاربة وعند عموم الأمازيغ يرتبط بالسنة الفلاحية والرغبة في وفرة الإنتاج الفلاحي، يقول باصي عالم الأنثروبولوجيا: “يمكن الكلام كذلك عن الحفلات التي سميناها موسمية، والتي استمرت في تعيين -عند أغلب الأمازيغ- أهم تغيرات السنة. وقد رأينا ليس عن غير حق، آثار عبادة طبيعية، يمكن أن نربطها ببقايا طقوس فلاحية. هكذا تبدو ضاربة في القدم وأنها مورست من دون تدخل وزراء متميزين، فلا يتم الاحتفال بها في المساجد، لكن قرب مقابر الأولياء الشعبيين، وتتوجه لأشكال لا مرئية وليس لأشخاص مقدسين. الاحتفال الأساس هو الذي يهم يناير، وهو حاسم بالنسبة للسنة عن أخرها. وأما الخاص بالعنصرا التي يمكن أن تسمى عيد الما (عيد الماء)، احتفال عاشوراء… إلخ. لكن ضرورة ملاحظة أن السمات المميزة لهذه الاحتفالات، إعادة حياة أو موت الأعشاب، التطهير بالماء والنار. اهـ (روني باصي: أبحاث في دين الأمازيغ ص 68).
إذن وكما يظهر جيدا فإن الاحتفال بيناير لا علاقة له بما يسمى السنة الأمازيغية ولا بهوية أمازيغية وإنما هي طقوس مرتبطة بالسنة الفلاحية كما دأب على تسجيل ذلك صاحب اليومية العصرية الحاج إدريس بوعياد، والذي يقرر فيها أن 13 يناير هو رأس السنة الفلاحية، بل إن العائلات السلاوية والرباطية اعتادت على إحياء هذه المناسبة الموسمية الفلاحية بتهيئ طعام خاص كالعصيدة أو الرفيسة أو الكسكس بـ”سبع خضاري”، ولا زلنا نسمع بعض النساء الرباطيات يرددن بهذه المناسبة: “كبان الما بالغراير كيصبح العروسة قردة والعكوزة جلدة يابسة”. وحين يسأل هؤلاء المحتفلون بـ13 يناير أو يناير عموما فإنه لا يدور بخلدهم فكرة السنة الأمازيغية أبدا.
ويتحدث الباحث المغربي عبد الرحمان فريقش أن “الاحتفال بالسنة الأمازيغية سببه البحث عن هوية أمازيغية، لكن هذا البحث يجب أن يرتكز على أسس علمية مقبولة، إذ لا ينبغي أن يكون سرقة تاريخية أو أكذوبة تاريخية، فالسنة الأمازيغية أكذوبة تاريخية وغير موجودة نهائيا… هذا التقويم الذي يعلنه البربر هو تقويم جلياني نسبة إلى يوليوس قيصر الذي قدم من مصر إلى روما لأسباب سياسية وقتل فيها سنة 46 قبل الميلاد… فنقل ذلك التقويم المصري إلى روما وحذف التقويم القمري، لهذا سمي بالتقويم الجلياني، ولما استعمرت روما شمال إفريقيا حملت معها ذلك التقويم الذي تبناه المغاربة (الأمازيغ) وبنوا عليه مواسمهم الفلاحية إلى الآن حيث أن الفلاح المغربي لا يعتمد على التقويم الغريغوري الإداري وإنما حسب التاريخ الجلياني الذي لا زال ساري المفعول عند المسيحيين الأرثودوكس وأقباط مصر ومسيحيي إثيوبيا ومسيحيي اليونان وجورجيا ومسيحيي روسيا (الكنيسة الشرقية).
ويضيف الباحث فريقش أن “الأمازيغ في بحثهم عن هوية، وهذا من حقهم، قرر أحدهم وهو مواطن جزائري ينتمي إلى الأكاديمية البربرية في باريس واسمه عمر النكادي وهي أكاديمية معروفة بتعصبها… أن يبتكر سنة معينة ونأتي نحن لنجعلها عطلة، هذا غير معقول”اهـ. (ذ عبد الرحمان فريقش، الأسبوع الصحفي 21 يناير 2016).
إن اختيار 13 يناير مجرد تلفيق وأكذوبة تاريخية تدعي انتصارا لشيشونق الليبي على فراعنة مصر في معركة كبيرة متوهمة.
من الذي يثبت لنا أن هذه المعركة وقعت بالضبط في 13 يناير؟
ومتى احتفل الأمازيغ بهذه السنة المزعومة خلال تاريخهم الطويل والتي ابتدعتها الأكاديمية البربرية الفرنسية محاولة لإثارة النعرات العنصرية وتشتيت الأمة الواحدة الموحدة.انعقادها في إبريل المقبل.
وفي تغريدة له عبر “تويتر”، الأحد، قال شفيق: “بمتابعة الواقع، فقد رأيت أنني لن أكون الشخص الأمثل لقيادة أمور الدولة خلال الفترة المقبلة، ولذلك فقد قررت عدم الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة 2018، داعيا الله عز وجل أن يكلل جهود الدولة في استكمال مسيرة التطور والإنجاز لمصرنا الغالية”.
وأضاف: “كنت قد قررت لدى عودتي إلى أرض الوطن، أن أعيد تقدير الموقف العام بشأن ما سبق أن أعلنته أثناء وجودي بدولة الإمارات، مقدرا أن غيابي لفترة زادت عن الخمس سنوات، ربما أبعدني عن المتابعة الدقيقة لما يجري على أرض وطننا من تطورات وإنجازات، رغم صعوبة الظروف التي أوجدتها أعمال العنف والإرهاب”.
وأثارت التغريدة تعليقات واسعة بين النشطاء، فقال الصحفي حسام يحيى: “شفيق خلاص جاب ورا.. والله الموفق والمستعان”.
وعلق الحقوقي هيثم أبو خليل بالقول: “ربما أتفهم الضغوط الشديدة عليك، لكن الرجال مواقف وهناك شباب قالوا كلمة الحق وهم لا يملكون من حطام الدنيا شيء، ضحوا بأرواحهم، وهناك من يضحون بحريتهم.. كيف توالس قاتل وفاسد وخائن فرط في الأرض وفي دماء المصريين وتقول لاستكمال الإنجازات؟! التاريخ لا يتعاطف مع الجبناء وسيذكر فقط الرجال!”.
وانتقد سيد صلاح تراجعه قائلا: “لم تتعرض للسجن ولا لتعذيب ولا إهانة ولا أي شي، ومع ذلك تتراجع”.
وغرّد الصحفي حسام الشوربجي: “#شفيق جاب ورا، و أعلن عدم ترشحه للرئاسة بقوله لست الرجل المناسب، أنت لست رجلا فعلا يا شفيق”.
جدير بالذكر أنه في 29 نوفمبر الماضي، أعلن شفيق، في خطاب متلفز من الإمارات، عزمه على التنافس في انتخابات 2018، وبعد بضعة أيام من هذا الإعلان، وصل شفيق إلى مصر، ثم استدرك أنه ما زال يدرس ويقيم قرار الترشح من عدمه.
هذا ستعلن الهيئة الوطنية للانتخابات في مصر الاثنين، الجدول الزمني لانتخابات الرئاسة، والقرارات المنظمة لها، في الوقت الذي لم يعلن فيه رسميا عن أي مرشحين أو برامج انتخابية، سوى تلميحات قائد النظام المصري عبدالفتاح السيسي، بعزمه خوض التجربة الثانية له وسط دعم إعلامي كبير.
والانتخابات المقبلة هي رابع رئاسية تعددية بتاريخ مصر والثالثة بعد ثورة 25 يناير 2011، ومن المحتمل أن تبدأ مراحلها نهاية الشهر الجاري، وتجرى في إبريل، على أن تعلن نتيجتها في 3 مايو، قبل شهر من موعد انتهاء الفترة الرئاسية للسيسي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *