الفلسفة… أسباب النشأة وأهم المدارس 2/2

كنا قد وعدنا القارئ الكريم في عدد سابق بتناول كل مدرسة فلسفية على حدة وبإيجاز، وهذا أوان الشروع في المقصود.

المدرسة اليونية (الطبيعيون الأُول):
تعد مدرسة الطبيعيين الأول أول مدرسة ظهر فيها التفكير الفلسفي المنظم فـي بلاد اليونان، وقد قامت هذه المدرسة في مقاطعة أيونيا بآسيا الصغرى على ساحل البحـر الأبيض المتوسط، وزعماؤها أربعة هم: طاليس1، وأنكسمندر2، وأنكسمنس3، وهيراقليطس4، بحـث هـؤلاء الفلاسفة في الأصل الذي نشأ عنه العالم، واتفقوا أن هذا الأصـل مـادة موجـودة فـي الطبيعة، ولكنهم اختلفوا في تعيين هذه المادة.
أولاً: طاليس ومذهبه الفلسفي
ذهب طاليس إلى أن الماء هو أصل الأشياء ومبدأ الموجودات، منه بـدأ وإليـه ينحل، وهو الجوهر الأساس الذي تولدت عنه كل الموجودات، وأن المـاء قابـل لكـل صورة، وأنه حين جمد الماء تكونت الأرض، وحين انحل تكون الهواء، ومـن صـفوة الهـواء تكونت النار، ومن الدخان والأبخرة تكونت السماء، ومن الاشتغال الحاصل مـن الأثيـر تكونت الكواكب، وذلك كله قياسًا على أن جميع الحيوانات أساسها من الجوهر الرطب الذي هو المني، فأوجب أن يكون مبدأ جميع الأشياء من الرطوبة … إلى غير ذلك من الأدلة.
ويمكن أن يقال إن فكرة طاليس عن الكون ترجع إلى الخرافـات والأسـاطير البابلية والمصرية، وهي ذات نزعة وثنية مادية.
ثانيًا: أنكسمندر (أنكسماندريس) ومذهبه الفلسفي
رفض أنكسمندر رأي طاليس أن الماء هو أصل الكون، ورأى أن أصل الأشياء جسم موضوع الكل لا نهاية له، ولم يبين ماهيته، وأن هذا الجسم مزيج من المتضـادات مـن الطويـل والقصـير، والصغير والكبير، والحار والبارد.. وهكذا.
وقال أن هـذه الأشـياء كانت في البدء شيئًا واحدًا وجدت فيه هذه المعاني متعادلـة متكافئـة، وبفعـل التطـور والحركة حدثت انفصالات واجتماعات بين بعضها والبعض الآخر بنسب معينة وبمقادير متفاوتة؛ فتكونت عنها الأشياء الطبيعية، والتغيير يحصل بشـكل آلـي مجرد وبمحض الصدفة، فليس هناك علة فاعلة، وليس هناك غاية من وراء الفعل.
ثالثًا: أنكسيمانس (أنكزمينس) ومذهبه الفلسفي
قال بوجود إله أزلي لا أول له ولا آخر، هو مبدأ الأشياء، ولا بدء له، هو المدرك من خلقه، أنّه هو فقط، وأنه لا هوية تشبهه، وكـل هوية فمبدعة منه، وكل مبدع ظهرت صورته في حد الإبداع، فقد كانت صورته في علمه الأول.
وذهب أنكسيمانس إلى أن أصل الكون هو الهواء، وهو المبدأ الأول للوجود، ومنـه تكـوَّن جميع ما في العالم من الأجرام العلوية والسفلية، وتتولد منه الأشياء عن طريـق التخلل والتكاثف، فإذا تخلخل الهواء صار نارًا، ومن النار تولدت كل الأشـياء الناريـة؛ كالكواكب والنجوم مثلاً، وإذا تكاثف الهواء نشأت عنه الرياح والعواصف والسحب ثـم الأمطار، ثم تتكاثف الأمطار فينتج عنها الأتربة والرمال والصخور.
ويتبقى لنا واحدًا من الفلاسفة الطبيعيين وهو هيراقليطس، نُصدِّر به بإذن الله تعالى مقال العدد القادم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ

1-فيلسوف مالطي، من أَوّل وأشهر فلاسفة اليونان، عاش مـا بـين (550-624) ق.م، وهو أحد الحكماء السبعة، درس العلوم دراسة عميقة، عمل مهندسـًا بحريـًا، واستطاع أن يضع تقويمًا بحريًا للملاحين يحتوي على إرشادات وقواعد فلكية، كانت لهـا آثارها القيمة في تاريخ الملاحة البحرية.
2- عاش هـذا الفيلسوف المالطي ما بين (547-611) ق.م، وقد جاء بعد طاليس، وهـو ثاني فلاسفة المدرسة “اليونية”.
3- عاش ما بين (588-528) ق.م.
4-عاش ما بين )475-540) ق.م.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *