يصعب حصر الدوافع الحقيقية الكامنة خلف المؤتمرات والاتفاقيات الدولية كما يصعب حصر الأهداف التي تنوي الوصول إليها، إذ ليس “من الدقة في شيء أن نقول أنها قامت فقط لحرب المجتمعات الإسلامية فهناك الكثير من الأفراد والمؤسسات داخل المجتمعات الغربية نفسها فضلاً عن غيرها يعارض هذه المؤتمرات وقراراتها”.
إلا أن الواضح أن الهدف الأساسي لهذه المؤتمرات والاتفاقيات هو فرض النموذج الاجتماعي الغربي على العالم أجمع؛ تكملة لنجاحه في فرض النموذج السياسي والاقتصادي؛ هذه النماذج التي لا تراعي في تشريعاتها القانونية اختلاف العقيدة أو تباين الثقافة بين المجتمعات، بل هي تسعى لفرض نمط حضاري موحد على العالم تلتزم به الدول كلها!
لذا لا يجدر بالمرء أن يستخف بهذه الاتفاقيات مطمئناً إلى سلامة المجتمعات الإسلامية من أي خروقات خارجية لأن الواقع يدعو إلى التخوف من الأمر، وذلك للأسباب التالية:
1- “استخدام استراتيجية النفس الطويل في تحقيق الأهداف والرضا بالمكاسب المحددة في كل مرحلة حتى تتنامى النتائج؛ وهذا يفسر المؤتمرات الدورية المتتابعة، وتبعاً لذلك تجاوزوا مرحلة ترويج الأفكار والرؤى إلى آليات التنفيذ والفرض، وتغطية ذلك بمرجعية دولية قانونية ملزمة قد تصل مع الوقت إلى المقاطعة بطريقة ما لكل دولة تتحفظ على هذه الاتفاقيات”.
2- النجاح في خرق مجتمعاتنا بواسطة الجمعيات غير الحكومية، وقد سجل هذا الخرق تمرير عدة مفاهيم وأفكار وقوانين غربية مخالفة للشريعة الإسلامية، من حيث أخذ الزوجة نصف ثروة زوجها في حالة الطلاق، والاستغناء عن مسألة وكيل الزوجة في حالات الزواج ورفع سن الزواج من 15 إلى 18 سنة..
لهذه الأمور كلها، إضافة إلى استخدام المؤيدين لهذه الاتفاقيات أسلوب النفس الطويل من أجل الوصول إلى أهدافهم، يجب علينا العمل على حماية مجتمعنا مما يخطط له، والعملََ على منع العلمانيين/اللائكيين من الوصول إلى أهدافهم.
ومن أهدافهم المرحلية نحو علمنة المجتمع المغربي: سمو المواثيق الدولية على التشريعات الوطنية؛ بغض النظر طبعا عن موافقتها أو مخالفتها لشريعة الإسلام، ورفع التحفظات عن كافة المواد التي تحفظ المغرب بشأنها.
فإيمان هذه الفئة باتفاقيات حقوق الإنسان وما نصت عليه المواثيق الدولية إيمان عميق، وأتباعها غير مستعدين بتاتا للتخلي عن أي من أحكامها أو بنودها لأنهم دخلوا في العلمانية “كافة”!! ولا يقبلون أبدا الإيمان ببعضها والكفر ببعضها الآخر!! لأن ذلك يمثل بالنسبة لهم “ردة” عن قيم الديمقراطية والحداثة وحقوق الإنسان!!!
أما الإسلام -الدين الرسمي للبلد- فلا يمثل بالنسبة سوى معطى ثقافي!! وهو ثابت لا يتغير، ولا يمكن الحكم على المجتمع المتغير والمتجدد من خلال هذا المنظور الرجعي الماضوي!! هكذا يزعمون.
ومنه نفهم أن الصراع حول هذا الملف الخطير ليس صراع حقوق ولا تمتيع بالحريات!! أكثر مما هو صراع مرجعيات وعقائد، صراع بين من آمن بالوحي وارتضى الإسلام عقيدة وشريعة وسلوكا، وبين من ارتمى في أحضان الغرب وآمن بالعلمانية عقيدة وأحكاما وسلوكا.
وقد فرحت العديد من الجمعيات والأحزاب العلمانية بقرار رفع المغرب لتحفظاته على المادتين 9 و16 من اتفاقية سيداو واعتبرت ذلك من لوازم الدستور الجديد الذي صادق عليه المغارب، وأن “المجتمعات الأبوية تجاوزها التاريخ، والبشرية دخلت مرحلة جديدة قوامها تحقيق الإنصاف والمساواة بين الرجل والمرأة كما تنص على ذلك الاتفاقيات الدولية؛ وذلك ما يجب أن تعيه هذه الأصوات النشاز” (خديجة المنفلوطي رئيسة الائتلاف الوطني من أجل المناصفة).
وأكدت خديجة الرويسي رئيسة جمعية بيت الحكمة أن: “الدعوات التي ظهرت مؤخرا من أجل التراجع عن رفع هذه التحفظات لا يجب أن نمنحها أكثر من قيمتها على اعتبار أنها دعوات محدودة جدا، فالمجتمع بأكمله يتجه نحو إرساء ركائز الديمقراطية، وبعض الأطراف مازالت تريد أن تبقي المرأة تحت الوصاية، خصوصا أن النساء في وضع تتطلعن فيه إلى مزيد من الحقوق عربيا وعالميا” المشعل ع:293.
ولا ندري من أعطى الرويسي الحق في تمثيل المغاربة، وادعاء أن المجتمع المغربي يقر ويرضى بإرساء قوانين تخالف الشريعة الأسلامية؟!
لقد أصبح هم الجمعيات العلمانية في الوقت الراهن محصورا في المطالبة “بالتميز الإيجابي” و”الظفر بتمثيلية أكبر في البرلمان” وبـ”الثلث في أفق المناصفة” و”إنشاء وزارة للمساواة -كما طالبت بذلك فوزية العسولي رئيسة الرابطة الديمقراطية لحقوق المرأة-“!! وكل ما من شأنه أن يخدم المرأة العلمانية الوصولية!!
فأين هو حديثهم عن المشاكل الحقيقية التي تقض مضجع المرأة المغربية، كظاهرة العنوسة والعزوف عن الزواج والدعارة وتصدير الفتيات للعمل في قطاعات الدعارة المنظمة، وتفشي الزنا المسببة للأمراض التناسلية المهددة لصحة النساء..؟
وغيرها من القضايا الخطيرة التي تتهدد المرأة المغربية..
إن رفع المغرب تحفظاته عن المادتين 9 و16 من اتفاقية سيادو دون بيانات أو تصريحات تفسيرية، ودون استشارة جماعية، أمر لا يمكن السكوت عنه البتة، خاصة وأن هذا القرار يمس العديد من الأحكام الشرعية المتفق عليها كالوجوب نفقة الزوج على الزوجة؛ والصداق؛ والطلاق؛ وزواج المسلمة من الكافر؛ وتعدد الزوجات.. وغيرها من الأحكام.
وحتى نسهم -بدورنا- في الدفاع عن أحكام شريعتنا؛ ونبين بالحجة والبرهان خطر الاتفاقيات الدولية ودورها في تغيير دساتير الدول وتشريعاتها؛ ارتأينا فتح هذا الملف.