الأقليات المسلمة لا بـواكي لها ذ.الحسن العسال

الأقليات المسلمة لا بواكي لها، عكس الأقليات التي في ديار المسلمين، فلها كل الدعم من الغرب، بل تكون هي قاطرة المؤامرة على المسلمين وعلى بلدانهم، وما يجري في مصر من تهويل “للفتن” الطائفية التي تنفخ في رمادها أمريكا على وجه الخصوص؛ عسى أن تؤجج منه نارا؛ لأوضح دليل على الكيل الأمريكي حتى فيما يخص الأقليات.
فوزيرة خارجية أمريكا هيلاري كلنتون(1) عميت عيناها عن رؤية كل الأقليات المسلمة المضطهدة في العالم، لكنها بعد أحداث ماسبيرو بمصر دخلت على الخط، -ولو أن أمريكا داخلة منذ سنين- حين ادعت أن هناك تدنيا للوضعيات الدينية في مصر، وانتقدت تقصير السلطات المصرية في تقديم المسؤولين عما وصفته بالعنف الطائفي للمحاكمة، وتجاهلت أن النظام البائد هو من كان يحاول تأجيج الفتنة الطائفية، وتفجيره لكنيسة القديسين وإلصاق التهمة بالإسلاميين خير دليل على ذلك.
وقالت كلينتونة -في تعليقاتها بمعهد كارنيجي على صدور التقرير الأمريكي السنوي حول الحرية الدينية في العالم لعام 2011- إن الرئيس محمد مرسي وعد مرارا بأن يكون رئيسا لجميع المصريين، بغض النظر عن دينهم.
فكلينتونة تهتم بمصر كل هذا الاهتمام كأنها من تركة أبيها، ونسيت أن تهتم بنفس الجدية بما اقترفه الشيوعيون في الصين، عندما أقدموا على شن حملة شرسة على مسلمي الإيغور بإقليم شنغيانغ في شمال غرب الصين خلال شهر رمضان المبارك، وقد شملت هذه الحملة الغاشمة ضد المسلمين سلسلة إجراءات لمنع أطر الحزب الشيوعي وموظفي الدولة والمدارس من أداء فريضة الصيام، بذريعة أنها “تؤثر على الأداء المهني والدراسي”.
كما منعت الإجراءات الصينية أصحاب المطاعم من إغلاق مطاعمهم في ساعات النهار، تحت التهديد بسحب تراخيص أعمالهم لمدة عام كامل في حال المخالفة.
بل إن مجلس بلدية زونغلانغ في إقليم شنغيانغ أصدر بيانا ذكر فيه أن لجنة المقاطعة أصدرت توجيهات شاملة بشأن ما سمته “الحفاظ على الاستقرار الاجتماعي” خلال شهر رمضان المبارك.
وأشار البيان إلى أنه تحظر المشاركة في النشاطات الدينية خلال شهر الصوم. كما دعا قادة الحزب الشيوعي إلى إحضار هدايا من الطعام لزعماء القرى المحلية للتأكد من أنهم مفطرون خلال شهر رمضان!
أو ليس الكفر ملة واحدة؟
تفرق شملهم إلا علينا، فصرنا كالفريسة للكلاب!
هذا كله يقع لإخواننا المسلمين، ومع ذلك يجب أن نصدق كلنتونة التي “أكدت” على أن الولايات المتحدة الأمريكية لا تنحاز إلى جانب أي حزب سياسي على حساب الآخر، مشيرة إلى أن واشنطن تدعم حقوق جميع الناس في العيش والعمل والعبادة كيفما يختارون دون أن تفرض مجموعة ما فكرانيتها(2) على الآخرين!
ونذكر كلنتونة إذا نسيت، أو نطلعها إذا جهلت، بما يقع لإخواننا في ميانمار/بورما على أيدي عباد البقر والحجر، الذين يسومون المسلمين هناك سوء العذاب، فيحرقون البيوت، ويمثلون بالجثث، ويغتصبون النساء، هذا فضلا عن أنواع الاضطهاد الأخرى، والمتمثلة في مصادرة أراضيهم، والعمل القسري بلا أجر، والقيود على حرية حركتهم وتنقلاتهم والابتزاز، ووضع العقبات حتى في الزواج، وإلزامهم بتحديد النسل.
إن مأساة الروهينغا المسلمين ليست وليدة اليوم، بل إنها بدأت على أقل تقدير منذ إعلان استقلال بورما سنة 1948، حين لم يعترف الدستور بهم، بدعوى أن أجدادهم لم يكونوا من أبناء البلد الأصليين. لهذا خرج عليهم ثين سين، رئيس ميانمار بحل عجيب غريب، غرابة البوذية، يتمثل -حسب زعمه- في ترحيلهم لدولة أخرى أو إقامة مخيمات لاجئين تأويهم.
وقد تفوه بهذا الكلام أمام مفوض الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أنتونيو غوتيريس، ولا أحد تحدث عن انفصال أقلية الروهينغا أو دعا إلى تقرير مصيرها، كما كان الأمر بالنسبة لتيمور الشرقية وجنوب السودان، وغيرهما عندما يتعلق الأمر بالأقليات غير المسلمة، لا أحد تحمس لذلك، لسبب بسيط ألا وهو أن الأقليات إن كانت مسلمة فحرام أن تقرر مصيرها، وواجب أن تضطهد ولا يلتفت إليها.
لهذا يباد شعب قوامه عشرة ملايين مسلم على مرأى ومسمع من العالم كله، ولم نسمع من هذا الأخير ما ينم عن أن هذا الشعب هو من بني البشر، بل الأنكى من ذلك هو أن الأمم المتحدة لازالت تشكك في وقوع المأساة عندما دعا مقررها المبعوث إلى ميانمار “توماس كوينتانا”، إلى “فتح تحقيق مستقل”، وكلنا يعلم أن التحقيقات الأممية أو غيرها من التحقيقات ما هي إلا مقبرة للحقائق، أو على الأقل إفساح مزيد من الوقت للجلاد للإجهاز على الضحية.
أما العالم الإسلامي فقد اجتمع على المستوى الرسمي في شخص منظمة التعاون الإسلامي، ليخرج كما عهدناه ببيان يندد ويشجب دون أدنى إجراء ملموس ينتشل مسلمي ميانمار من المأساة التي أوقعتهم فيها عصابات عباد البقر والحجر.
وحتى لا تنطلي ذريعة “ثين سين” السالفة الذكر على أحد، تجذر الإشارة إلى أن بورما/ميانمار، عكس ما تدعي الحكومة البوذية من أن الإسلام دخل إليها مع الاحتلال البريطاني سنة 1824م، فقد دخلت في الإسلام منذ عهد الخليفة العباسي هارون الرشيد في القرن السابع الميلادي عن طريق التجار العرب المسلمين، وتم تأسيس أول دولة إسلامية بها سنة 1430م، بقيادة الملك سليمان شاه، وتعاقب بعده 48 ملكا مسلما على التوالي، إذ استمر الإسلام يحكم لمدة تجاوزت 350 سنة، أي إلى حدود 1784م.
نعم إن الأقليات المسلمة لا بواكي لها، منذ محاكم التفتيش الصليبية في إسبانيا، مرورا بالاضطهاد الوحشي الذي لاقاه المسلمون في معسكر المطرقة والمنجل إبان الحرب الباردة، ثم المذابح التي اقترفها الصرب في البوسنة والهرسك، على الرغم من أن المسلمين يشكلون فيها أكثرية.
وإن كنا ننسى فلا ننسى قيام 15000 هندوسي بهدم المسجد البابري في الهند، بتاريخ 6 دجنبر 1992، هذا المسجد الذي بناه مؤسس الإمبراطورية المغولية في الهند ظهير الدين بابر، بدعوى أن المسجد يقع فوق أنقاض المعبد الذي ولد فيه إلههم راما، مع أن علماء التاريخ الهنود عجزوا عن إثبات هذه الدعوى، كما عجزت العصابة اليهودية في فلسطين عن إثبات هيكل سليمان في القدس، بل إن الدراسات الهندية الأخيرة أثبتت أن المسجد البابري بني على أنقاض مسجد آخر.
وإمعانا في اضطهاد المسلمين، فقد قضت محكمة هندية في شتنبر 2010 بتقسيم موقع المسجد إلى ثلاثة أقسام، ثلث منها للمسلمين، والثلثان الآخران للجماعات الهندية المختلفة، بل أكثر من ذلك، فإن منظمة بهارتيه جنتا بارتي التي تولت كبر هدم المسجد، وصلت لحكم الهند سنة 1998م، مكافأة لها على فعلتها الشنيعة تلك. لكن المسلمين لا زالوا يطالبون بإعادة بناء المسجد.
وإذا انتقلنا إلى القارة الإفريقية، فالمضحك المبكي أن مجلس المسلمين يُفْرَضُ فرضا من السلطة الإثيوبية(3)، وهذا ما رفضه المسلمون رفضا باتا، وخرجوا في مظاهرات منذ شهور للمطالبة بالمجلس الجديد، إلا أنهم قوبلوا بالقمع، على الرغم من أنهم يشكلون 34% من مجموع السكان. “والعالم الحر” بقي وفيا لمكياله الجائر، إذ لم ينبس أي من زعمائه ببنت شفة فيما يخص هذه الأقلية الكبيرة المضطهدة، لا لشيء إلا لأنها مسلمة!
أما في فرنسا معقل الحريات فقد تم طرد خمسة مؤطرين لمخيم عطلة صيفية في بلدية جونفييليية بسبب صيامهم في شهر رمضان 1433هـ، بدعوى أن “صيامهم يعرض حياة وأمن أطفال المخيم للخطر”. وقد قرر المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية رفع دعوى قضائية ضد رئيس البلدية بتهمة العنصرية.
وفي شهر رمضان المبارك أيضا، أقدمت مجموعة “فلامس بيلانج المتطرفة” على اقتحام مدرسة في بلجيكا، مرغمة التلاميذ المسلمين على أكل لحم الخنزير.
وإن كنت أعجب، فعجبي من دعاة “الكونية” من بني جلدتنا، بعد كل ما يقع للمسلمين! ألا يستحيون من كونيتهم؟ ألم يفهموا بعد أن المقصود من الكونية هو اختزال العالم كله في الرجل الأبيض وثقافته وأفكاره، أما غيره، خصوصا المسلم، فلا يلتفت إليه إلا من باب خدمة المقصد الأول، بالتلبيس على المغفلين، وتجهيز “الحجة” للمغرضين.
ــــــــــــــــــــــ
1- وبالمناسبة: لا أحد من بني علمان تساءل عن نسب هيلاري الحقيقي -الذي هو هيلاري داين رودهام-، أو كشف عنه، أو انتقد انتسابها لزوجها، ماداموا يشعلون الحروب بين الزوجين المسلمين، لا أحد أشار أن هذا الانتساب هو حط من كرامة المرأة، لماذا؟ لأن القوم مغرمون ومسلمون بما يأتي من الغرب، دون أدنى اعتراض. بل إنهم، أو إنهن ينتسبن عندنا لأزواجهن، والأمر عاد لا يثير حفيظتهن ولا كرامتهن المزعومة
2- “الإيديلوجيا” يطلق عليها الدكتور طه عبد الرحمن “الفكرانية”، أما الأستاذ عمر فيطلق عليها “الفكارة”.
3- والحمد لله الذي عجل بهلاك الطاغية ملس زيناوي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *