أولى الإسلام أهمية كبيرة للوقت، وحث على استثماره فيما يعود بالنفع على العبد وعلى عامة الناس في الدنيا والآخرة، وحذر من مغبة تبذيره فيما لا نفع فيه؛ أو من استغلاله فيما يغضب الله عز وجل.
وتتجلى مظاهر اهتمام ديننا الحنيف بالوقت والحث على حسن استثماره، في مواطن كثيرة تؤيدها الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة النبوية، من بينها أن الله عز وجل قد أقسم في غير ما موضع من القرآن الكريم، إما بألفاظ تفيد معنى الدهر والزمان عموما كما في قوله تعالى:
– ” والعصر”، ذهب ابن عباس وغيره إلى أنه الدهر، تفسير القرطبي 20/ 178، ومنهم من قال وقت العصر.
– وإما بمدد زمنية تدل عليه، “وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى، وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى” الليل:1.
– وإما بأوقات محددة من اليوم والليلة: “والضحى” الضحى:1، “والفجر” الفجر:1، “والصبح إذا تنفس” التكوير:18.
– وإما بالأفلاك التي ينجم عن حركتها تعاقب الليل والنهار وضبط حساب الأيام والشهور “والشمس وضحاها والقمر إذا تلاها” الشمس:1، وإذا أقسم الله تعالى بشيء من مخلوقاته كان ذلك إشارة لفضله ومكانته بين المخلوقات، ولا يجوز البتة للمكلف الحلف بمخلوقات الله تعالى، فالحلف يكون بالله فقط؛ مصداقا لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت” متفق عليه، وقوله صلى الله عليه وسلم: “من حلف بشيء دون الله فقد أشرك” أخرجه احمد.
كما أن الحث على اغتنام الوقت في الطاعات والتقرب إلى الله عز وجل وتجديد التوبة وطلب المغفرة من الله عز وجل في كل وقت؛ أمر وارد لا مجال لرده، يقول الله عز وجل: “سَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ” آل عمران:133. فالتعجيل والإسراع إلى الظفر بمغفرة الله واغتنامها أمر لا يحتمل التأخير أو التأجيل ما دام الجزاء جنة عرضها السماوات والأرض، وما دام أجل الإنسان لا يعرفه إلا الله عز وجل، فقد يداهمه الموت في لحظة غفلة أو معصية، فيتحسر على الأوقات التي أضاعها والفرص التي فرط فيها، “حَتَّىٰ إِذَا جَاءَتْهُمُ السَّاعَةُ بَغْتَةً قَالُوا يَا حَسْرَتَنَا عَلَىٰ مَا فَرَّطْنَا فِيهَا” الأنعام:31 .
و كثيرا ما ترد في آي القرآن الكريم مقارنة بين حياة العبد في الدنيا وما يقابلها في الآخرة، من قبيل قوله تعالى: “وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ” الروم: 55، وقوله سبحانه: “قالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ، قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ” المومنون:113، وقوله جل وعلا: “يوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا، يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِن لَّبِثْتُمْ إِلَّا عَشْرًا، نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِن لَّبِثْتُمْ إِلَّا يَوْمًا” طه: 102-103-104، وذلك في إشارة واضحة إلى أن وقت الإنسان الذي قضاه في الدنيا، لا يساوي شيئا أمام الوقت الذي ينتظره في الآخرة.
كما أن أهمية الوقت تظهر في ارتباط أهم الأركان التي يقوم عليها الدين بالوقت، فقد فرض الله أداء الصلاة في وقتها المحدد، يقول عز وجل: “إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا” النساء:103، وتوعد الله تعالى كل من ضيعها أو أخرها عن وقتها متعمدا بالويل، وهو نهر في جهنم: “فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ، الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ” الماعون: 4.
وكذلك الشأن بالنسبة لباقي الأركان، فوقت الصوم يبتدئ من طلوع الفجر وينتهي بغروب الشمس، واشترط فيه مشاهدة هلال رمضان، يقول الحق سبحانه: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ أيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ” البقرة : 184 ويقول عز وجل: “فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ” البقرة : 185، كما أن الزكاة لها وقتها يقول تعالى: “وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حصَادِهِ” الأنعام: 141، واقترنت فريضة الحج بوقت خاص في السنة، يقول الله عز وجل: “يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ” البقرة:189، يقول القرطبي: “أفرد سبحانه الحج بالذكر لأنه مما يحتاج فيه إلى معرفة الوقت، وأنه لا يجوز النسيء فيه عن وقته”. الجامع لأحكام القرآن 2/343.
ولعل حاجة المسلمين الملحة إلى ضبط مواقيت الصلاة ومعرفة مواعيد الشهور وعدد أيامها وحساب السنوات، ما جعلهم يهتمون أشد الاهتمام بعلوم الفلك والرياضيات والتعمق فيها.
وفي الهدي النبوي، نرى حرص النبي صلى الله عليه وسلم على الدعوة إلى اغتنام الوقت وعدم إضاعته، يقول صلى الله عليه وسلم: ” اغتنم خمسا قبل خمس؛ شبابك قبل هرمك؛ وصحتك قبل سقمك؛ وغناك قبل فقرك؛ وفراغك قبل شغلك؛ وحياتك قبل موتك” أخرجه الحاكم في المستدرك رقم: 7846.
فالوقت نعمة متى استثمرت فيما لا يرضي الله تعالى فإنها تنقلب نقمة على العبد، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: “نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ” البخاري:6412، فيكون شاهدا عليه أمام الله تعالى يوم القيامة، لأنه سيحاسب عليه، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: “لا تزول قدما ابن آدم يوم القيامة من عند ربه حتى يسأل عن خمس عن: عمره فيما أفناه؛ وعن شبابه فيما أبلاه؛ وعـن ماله من أين أكتسبه وفيـم أنفقه؛ وما عمـل فيما علم” الترمذي: 2416-2417.
والناظر في حالنا اليوم؛ يأسف غاية الأسف لما صارنا إليه من إصرار على إهدار الأوقات في المقاهي والملاهي والمباريات ومجالس اللهو والسهر والغيبة والنميمة، في زمن الكل يتسابق فيه تسابقا محموما نحو العلم والمعرفة والتطور واستغلال الدقيقة والثانية؛ في هذا الوقت الحرج تبقى أمتنا التي يحث دينها على استغلال الوقت في مصاف الأمم المتخلفة التي لا تعير اهتماما للوقت وأهميته.
وقانا الله وإياكم والمسلمين أجمعين شر إضاعة الوقت وتبذيره.
والحمد لله رب العالمين.