عَجَزَتْ عُيُونُكَ، فَهْيَ لاَ تُهْدِي | نُوراً تَسِيرُ بِهِ، فَلا تَهْدِي |
وَأَصَارَهَا الموتُ المُغِيرُ مِنَ البُكَا | طَلَلاً مَحَتْهُ عَوَاصِفُ السُّهْدِ |
يَا أيُّهَا البَاكِي فَقِيداً –مُمْعِناً- | صَبْراً، وَهَلْ لِلْمَوْتِ مِنْ عَهْدِ؟ |
عَهْدُ المَنِيَّة أن تَخَيَّرَ فِي الورى | أَخْيَارهُم في الشيبِ والمهْدِ |
صَادَتْ حَبَائِلُهَا الكِرَامَ ولَمْ تَزَلْ | تَحْتَالُ حَتَّى اصْطَادَتِ المهْدِي |
مَا أبْقَت الدنيا –بِفَقْدِهِ- فَوْقَهَا | إلاَّ السُّمومَ أَحَطْنَ بالشَّهْدِ |
تَسْبِي الكِرامَ وقَدْ تَقلَّدَ حُكْمَهَا | شَرُّ الخلاَئِقِ ثُمَّ لاَ تُهْدِي |
إنْ كُنْتَ تَطْلُبُ وُدَّهَا لَمَّا حَيَوْا | هَلْ بَعْدَ ذَا خَيْرٌ مِنَ الزُّهْدِ؟ |
شَرٌّ مِنَ البَلْوَى انتظارُ سِهَامِهَا | وظِلاَلُهَا أقْسَى مِنَ الفَقْدِ |
وَالموتُ يَصْطَادُ الرِّجَالَ ويَكْتَوِي | بلَهيبِهِ مَنْ ليسَ في الصَّيْدِ |
والموتُ موتُ النائمينَ عَنِ العلا | وهو الحياة لطالب المَجْدِ |
يا راحلاً عنْ ذي الديارِ مسَافراً | أَجِدُ الوَداعَ كَساكِنِ الغِمْدِ |
أَ ذَهَبْتَ لَمْ تَعْطِفْ عَلَيَّ بنَظْرةٍ | أو كِلْمَةٍ أشفي بها وجْدِي |
وَتَرَكتَنِي؛ قَدْ أَخْرَسَتْنِي حَسْرتِي | فَتَكَلُّمِي دَمْعِي على خَدِّي |
أَبْكِي فِرَاقَكَ أَمْ أَنُوحُ لأُمَّةٍ | لَفَظَتْكَ حِينَ رَمَيْتَ بِالقَيْدِ؟ |
نَامَتْ وَأَنْتَ تُنِيرُ دَرْبَ حَيَاتِهَا | وَعَصَتْكَ حِينَ دَعَوْتَ لِلرُّشْدِ |
جَهِلَتْ مَكَانَكَ أُمَّةٌ لَمْ تَدِرِ ما | دَعْوَاكَ إِلاَّ سَاعَةَ الفَقْدِ |
فَلَقَدْ رَحَلْتَ، فَهَلْ سيُوقَظُ نَائِمٌ | لَيَرى طَريقَكَ في الدُّجَى المُردِي؟ |
فليَبْكِ عِلْمَكَ مَنْ يُحِسُّ بِفَقْدِهِ | ولْيَبْكِ حَقَّكَ صاحِبُ الجِدِّ |
وَلْيَبْكِكَ العِلْمُ الذِي وَرَّثْتَهُ | للْعَالَمِينَ وَأَنْتَ في اللَّحْدِ |
وَلَّى أَبُوهُ فَذَاقَ يُتْماً في الوَرَى | وَلَقَدْ تَيَتَّمَ قَبْلَهُ المَهْدِي |
وَلَسَوْفَ يَحْيَا رُغْمَ أَنْفِ عُدَاتِهِ | عُمْراً بِلاَ سُقْمٍ ولاَ حَدِّ |
ولْيَبْكِكَ الوَطَنُ الذِي أَحْبَبتَهُ | والأُمَّةُ المَحْرُومَةُ الوِرْدِ |
وَطَنٌ بَذَلْتَ لَهُ فُؤَادَكَ مُخْلِصاً | فَلَقِيتَ مِنْهُ مَرَارَةَ الصَّدِّ |
لَوْ كَانَ يَدْرِي مَا المحَبَّةَ والوَفَا | لم يَجْزِ بالإِعْرَاضِ ذَا الوُدِّ |
أَسَفِي عَلَى وَطَنٍ يُكَرِّمُ أَهْلَهُ | إِنْ أَخْلَصُوا بالسِّجْنِ والوَأْدِ |
وَلْتَبْكِكَ الأَخلاقُ؛ كنتَ رَسُولها | فِي أمَّةٍ حادت عن العهْدِ |
ولْيَبْكِكَ الإِسْلامُ أنْ كُنْتَ ابْنَهُ | لَمْ تَعصِهِ في الحلَّ والعقْدِ |
وَلْيَبْكِ جِدٌّ لا يشيبُ وهِمَّةٌ | ليسَتْ تنِي يوما ولا تُكْدِي |
مَنْ للْبِناءِ علَى ذُرَى الجَوْزَاء؟ مَنْ | سَيَكُونُ بَعْدَكَ رائِدَ الوَفْدِ؟ |
للهِ أنت! مضيتَ في صَمْتٍ ولم | يتبَعْكَ كُلُّ مُنافِقٍ وَغْدِ |
ويَمُوتُ بعْضُ الميِّتينَ عنِ العلا | فعزاؤهم بالمدْحِ والحشْدِ |
أ ترى يضيرُ الحُرَّ أن لم يرثِه | سيْفُ الجبَانِ ومُهْجَةُ العبدِ؟ |
إِنْ يفعلوا، فلقدْ بكاك بقلبه | ذُو الصدْقِ والإخلاص والرُّشْدِ |
وبَكَتْ سَجَايَاكَ السَّمَاءُ فأمْطَرَتْ | وجَثَتْ تَنُوحُ بِقَاصِفِ الرَّعْدِ |
وَلَسَوفَ يَذْكُرُكَ الزَّمانُ لأَهْلِهِ | بالخير دَوماً؛ صادِقَ الوعْدِ |
ولسَوْفَ تَحيا في القُلُوبِ، فتَجْتَنِي | مَا قد زرعتَ؛ بشَائرَ السَّعْدِ |
ولَسَوفَ يمضي كالنسائمِ عِلْمُكُمْ | يَهْدِي الوَرَى في القُرْبِ والبُعْدِ |
فَسَقَى تُرَابَكَ صَوْبُ مُزْنٍ هَاطِلٌ | وسَقَى بلادَكَ وابلُ الوجْدِ!! |
يَا ربِّ فاغْفِر، واسْقِ رَحْمَتَكَ التِي | وسِعَتْ عِبَادَكَ ساكِنَ اللحْدِ |
وامْدُدْ عَلَيْهِ ظِلاَلَ مَنِّكَ، إنَّهُ | يَا رَبُّ مُفْتَقِرٌ إلَى المدِّ |
يَا ربُّ؛ لَمْ يُكْتَبْ لقاءٌ في الدُّنى | فاجْعَلْ لِقانا في رُبى الخلْدِ |