ويل لقاضي الأرض من قاضي السماء (3/4) عبد الوهاب عمارة

أَمَـا وَاللهِ إِنَّ الــظُّـلْـــمَ لُـــؤْمٌ          وَمَـا زَالَ الْمُسِيءُ هُوَ الظَّلُومُ

إِلَى دَيَّـانِ يَوْمِ الدِّينِ نَمْضِـي          وَعِنْــدَ اللهِ تَجْـتَمِـعُ اْلخُصُــومُ

سَتَعَلَمُ فِي اْلحِسَابِ إِذَا الْتَقَيْنَا          غَـدًا عِنْـدَ الْإِلَـهِ مَـنِ الْمَـلُــومُ

تجتمع الخلائق للقضاء الحق وقاعة المحكمة يعلوها الصمت التام فلا يعلو إلا صوت الحق {يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَتِ الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلَّا هَمْسًا} (طه: 108).
وليس هناك محامون إلا مِنْ عَمَلٍ صالح {يَوْمَئِذٍ لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا} (طه: 109).
والقاضي فيها -سبحانه وتعالى- يحكم بعلمه فلا يخفى عليه شيء {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لَا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ} (الحاقة: 18).
ولا بد من إحضار المتهم فليس فيها حكم غيابي {يَوْمَ هُمْ بَارِزُونَ لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} (الزمر: 16).
والجهة التنفيذية فيها {مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} (التحريم: 6).
والمتهم لا يستطيع الفرار {وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا} (طه: 111).
والمظلوم حتما يشفي الله غليله ويذهب غيظه {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا} (طه: 112).
فالميزان حساس بمثقال الذرة ولا يضيع فيها حق ولا يتبدد ولا يسقط الحكم بالتقادم.
عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُنَيْسٍ، قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ -أَوْ قَالَ الْعِبَادُ- عُرَاةً غُرْلاً بُهْماً»، قَالَ: قُلْنَا وَمَا بُهْماً؟ قَالَ: «لَيْسَ مَعَهُمْ شَيءٌ؛ ثُمَّ يُنَادِيهِمْ بِصَوْتٍ يَسْمَعُهُ مِنْ قُرْبٍ: أَنَا الْمَلِكُ أَنَا الدَّيَّانُ، وَلاَ يَنْبَغِي لأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ النَّارِ أَنْ يَدْخُلَ النَّارَ وَلَهُ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ حَقٌّ حَتَّى أَقُصَّهُ مِنْهُ، وَلاَ يَنْبَغِي لأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ وَلأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ النَّارِ عِنْدَهُ حَقٌّ حَتَّى أَقُصَّهُ مِنْهُ حَتَّى اللَّطْمَةُ»، قَالَ: قُلْنَا كَيْفَ وَإِنَّا إِنَّمَا نَأْتِي اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ عُرَاةً غُرْلاً بُهْماً؟ قَالَ: «بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ» رواه أحمد وصححه الألباني.
فيا أهالي الشهداء، ويا من اتُّهِمْتَ ظلما، فسُجِنتَ أو صُودِرَت أموالك أو جُرِحْت أو أُصِبْتَ بأي أذى لابد أن يقف لك ظالمك ذليلا خاشعا لتقتص منه، وإذا كان يوم ظلمك يوما شديدا عليك فيوم ظالمك عليه أشد {الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا} (الفرقان: 26).
عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ، قَالَ: ثَلاثُ خِصَالٍ مَنْ كُنَّ فِيهِ كُنَّ عَلَيْهِ: الْبَغْيُ، وَالنُّكْثُ، وَالْمَكْرُ؛ وَقَرَأَ: {وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلا بِأَهْلِهِ} (فاطر: 43)، {يَأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ} (يونس: 23)، {فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ} (الفتح:10) رواه أبو نعيم في “أخبار أصبهان” وأبو الشيخ وابن مردويه في التفسير.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *