«إن لله تسعة وتسعين اسما من أحصاها دخل الجنة» من آثار الإيمان باسم الله السميع ناصر عبد الغفور

من آفات اللسان
-1 الغيبة

قال الله تعالى: {وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ (12)} سورة الحجرات.
يقول الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى: «وهذا من أحسن القياس التمثيلي، فإنه شبه تمزيق عرض الأخ بتمزيق لحمه، ولما كان المغتاب يمزق عرض أخيه في غيبته كان بمنزلة من يقطع لحمه في حال غيبة روحه عنه بالموت، ولما كان المغتاب عاجزا عن دفعه بنفسه بكونه غائبا عن ذمه كان بمنزلة الميت الذي يقطع لحمه ولا يستطيع أن يدفع عن نفسه، ولما كان مقتضى الأخوة التراحم والتواصل والتناصر فعلق عليها المغتاب ضد مقتضاها من الذم والعيب والطعن كان ذلك نظير تقطيعه لحم أخيه والأخوة تقتضي حفظه وصيانته والذب عنه، ولما كان المغتاب متفكها بغيبته وذمه متحليا بذلك شبه بأكل لحم أخيه بعد تقطيعه، ولما كان المغتاب محبا لذلك معجبا به شبه بمن يحب أكل لحم أخيه ميتا ومحبته لذلك قدر زائد على مجرد أكله كما أن أكله قدر زائد على تمزيقه، فتأمل هذا التشبيه والتمثيل وحسن موقعه ومطابقة المعقول فيه للمحسوس…».(1)
وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم ماهية الغيبة بقوله: «أتدرون ما الغيبة؟ قالوا الله ورسوله أعلم؛ قال: ذكرك أخاك بما يكره؛ قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه فقد بهته».(2)
وقد وردت عدة أحاديث في الترهيب من هذه الآفة التي فشت فشوا عظيما، سواء بين صفوف الرجال أو النساء بل حتى الصبيان، وصارت كالفاكهة الشهية التي يتلذذ بأكلها، ولا يسلم منها إلا القليل، وأكتفي بذكر حديث واحد: فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لما عرج بي مررت بقوم لهم أظفار من نحاس، يخمشون وجوههم وصدورهم، فقلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين يأكلون لحوم الناس ويقعون في أعراضهم».(3)
يتبع..
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
-(1) الأمثال في القرآن الكريم، ص. 34، للإمام ابن قيم الجوزية رحمه الله.
-(2) رواه مسلم وغيره.
-(3) رواه الإمام أحمد وأبو داود، وهو في صحيح الجامع تحت رقم: 5213.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *