«الإرهاب» صراع النتيجة والسبب (1)د. لطفي الحضري

يعود الإنسان الغربي في كل حدث ليكرس العنصرية التطورية التي يؤمن بها منذ أن صاغها داروين، وتتجلى هذه العنصرية في القول بنهاية التطور الإنساني في الجنس الأبيض. ومن هذا المنطلق تختلف معايير التعامل مع القضايا اليومية والقضايا المصيرية ومع الضحايا.
هل هوغربي أومسلم؟
ومن هذا المنطلق الذي تتسم به المرجعية الغربية نضيف تمثلا آخر في هذه المرجعية، والذي يدور حول البحث عن «الحل من النتيجة» يعني حلا يحاول فيه الرجل الغربي علاج المشكل من نتيجته أولا، وقلما يبحث عن «الحل من السبب».
كما أن المرجعية التي تدفع إلى البحث عن الحل تتمحور حول إشكالية أخرى نسميها «بالمرجعية الأنوية»، والتي تقول: أنا الإنسان الغربي الذي يحدد مرجعيات الآخرين. وأن المرجعية الوحيدة التي يجب أن «تكون» هي المرجعية الغربية، ومن هذا المنطلق فأنا الوحيد الذي يهيمن على خيرات العالم، والذي له الحق المطلق في تحديد المفاهيم. ومن هذا التحديد الذي أقول به، يجب أن تتخذ المواقف، وتتخذ القرارات، وتنفذ على مستوى السلوك. فأنا الذي يحدد المرجعية الكونية.
ويتصور عبد الوهاب المسيري اعتقاد الرجل الأبيض بنفسه بالطريقة التالية:
فمع تزايد معدلات التطور، يصبح هناك كائنات أكثر رقيا من الكائنات الأخرى بحكم بنيتها البيولوجية، ومن ثم يصبح للتفاوت الثقافي أساسا بيولوجيا حتميا.
وقد بين كونت أن التطور هو تطور من مجتمع يستند إلى السحر؛ إلى مجتمع يستند إلى الدين؛ وصولا إلى المجتمع الحديث الذي يستند إلى العلم. والفكر العرقي الغربي هو فكر تطوري إذ يرى أن الإنسان الأبيض هوآخر حلقات التطور وأعلاها، ولذا فله حقوق معينة.
وقد تبلور الفكر التطوري العرقي في الأيدولوجيا النازية التي تبنت تماما فكرة وحدة العلوم وطبقت القوانين الطبيعية بصرامة على الكافة، وحاولت الاستفادة من قوانين التطور من خلال قواعد الصحة النازية (إبادة المعوقين والمتخلفين عقليا وأعضاء الأجناس الأخرى) ومن خلال محاولات تحسين النسل من خلال التخطيط وعقد زيجات أو تنظيم علاقات إخصاب تؤدي إلى إنجاب أطفال آريين أصحاء.
والفكر الصهيوني، مثله مثل الفكر النازي، هو ترجمة للرؤية الداروينية، فالصهاينة قاموا بغزو فلسطين باسم حقوقهم اليهودية المطلقة التي تجب حقوق الآخرين، كما أنهم جاؤوا إلى فلسطين ممثلين للحضارة الأوروبية عبء الرجل أبيض. وهم نظرا لقوتهم العسكرية، يملكون مقدرة أعلى على البقاء.
أي أنهم جاؤوا من الغرب مسلحين بمدفعية إيديولوجية وعسكرية داروينية علمانية ثقيلة، وقاموا بتسوية الأمور من خلال الموقع الدارويني النيتشوي فذبحوا الفلسطينيين، وهدموا قراهم واستولوا على أراضيهم، وهي أمور شرعية تماما من منظور دارويني علماني بل وواجبة، ولعل تأثر معظم المفكرين الصهاينة بنيتشه أمر له دلالته في هذا المقام.
نايبول الكاتب الجامايكي الذي تخصص في تأليه الغرب وتجريح العالم الثالث، ومنه وطنه الأم، الهند، كما تخصص في الهجوم على الإسلام قال: «إن الحضارة الغربية هي الحضارة العالمية التي تناسب كل الناس»، ومعنى ذلك أن الحضارة الغربية حالة طبيعية، صفة لصيقة بطبيعة الإنسان، ومن ينحرف عنها فهو إنسان غير طبيعي وشاذ، وهذا يعني أن التاريخ يتبع مسارا واحدا وأن هنتنجتون يؤمن بالنموذج أحادي الخط، برغم كل حديثه عن التعددية والصراع.164
وقد بين المفكر النازي ألفريد روزنبرج -أثناء محاكمته في نورمبرج- أن العنصرية جزء أصيل من الحضارة الغربية الحديثة، وأكد لقضاته أن هناك علاقة عضوية بين العنصرية والاستعمار. وقد أشار إلى أنه عثر على لفظة سوبرمان في كتاب عن حياة اللورد كتشنر، وهو الرجل الذي قهر العالم، كما أكد أنه صادف عبارة العنصر السيد في مؤلفات عالم الأجناس الأمريكي ماديسون جرانت والعلامة الفرنسي جورج دي لابوج.
وأضاف قائلا: «إن هذا النوع من الأنثربولوجيا العنصرية ليس سوى اكتشاف بيولوجي جاء في ختام الأبحاث التي دامت 400 عام»، أي منذ عصر النهضة في الغرب وبداية مشروع التحديث، ومعنى هذا أن العنصرية ليست مرتبطة بالاستعمار وإنما بالرؤية المعرفية العلمانية والإمبريالية وبمشروع الإنسان الغربي التحديثي.
وهكذا فتحدد هذه المرجعية كل المفاهيم، وعلى سبيل المثال:
• مفهوم الحرية
• مفهوم حرية التعبير
• مفهوم الديمقراطية
• مفهوم الدين
• مفهوم الإرهاب
• مفهوم المقدس
• مفهوم الضحية
وحين تحدد المفاهيم وتقبل من طرف الجميع، فإنه يقبل منها طريقة علاج المشاكل التي ترتبط بهذه المفاهيم.
ومن هذا المنطلق الذي لا يعترف بالآخر، إلا أن يكون داخل المرجعية الغربية، تتأجج الصراعات، ويزداد الهرج وهو القتل والقتل المتبادل، مع تفاوت أعداد القتلى بين الجانبين.
فحين يقتل الغربي تسلط الكاميرات وتضخم الأحاسيس، وحينما يقتل غيره تطفئ الأنوار، وتكمم الأفواه. فلا ألم إلا الألم الغربي ولا مشاعر إلا المشاعر الغربية.
فقد تجدرت الأحكام المسبقة المضادة للعرب وللإسلام في اللاشعور الجماعي للغربيين عند مستوى هو من العمق بحيث نخشى ألا يتمكن أحد من استئصالها ذات يوم أبدا. وكم تروم فمن شأن هذه المراجعة السريعة لصورة «المورو» في أدبنا الإسباني أن تدفع إلى التشاؤم حقا .
وحيث تقابل «المرجعية الأنوية» التي يحملها الغرب بالمرجعية الإسلامية التي لا تقبل الخنوع والذل والهوان، يقع اصطدام في كيفية معالجة الأمور. فالإسلام يؤمن حقيقة بمفهوم: «عالمية الاختلاف»، والمرجعية الغربية تؤمن «بالعالمية الأنوية». صحيح أيضا أن بعض الجماعات الإسلامية تتعامل مع الغرب من منطلقاته.
النتيجة والسبب
الشيء الذي أريد أن أبرزه في هذا المقال من داخل المرجعيتين الغربية العلمانية والمرجعية الإسلامية المدنية، هو محاولة تفتيت ثم تركيب علاقة النتيجة بالسبب من داخل المرجعيتين، مما قد يساعد على فهم بعض ما يقع الآن، ولماذا قد يصعب إيجاد الحل؟ إلا الحل الأمني الذي هو عادة حل ترقيعي وحل ظرفي.. ثم نعود ليكرر الهرج من جديد.
فالملاحظ أن المرجعية الغربية تتعامل مع الأحداث أولا انطلاقا من «النتيجة»، وتحاول أن تجد حلولا تتعامل مع النتائج، وخاصة النتائج المادية. أما المرجعية الإسلامية فإنها على خلاف هذا تتعامل مع الأسباب وتحاول أن تجد الحلول لإزالة الأسباب أولا.
ونعتقد أن هذا الخلاف في المرجعيات وفي طريقة التفكير ومن ثم في صياغة الحلول، قد يكون من بين أسباب الصراع. الذي يتواجه فيه الإسلام والغرب العلماني.
وحيث أنه لا يمكن أن لا يتلاقى العالم الغربي العلماني والعالم الإسلامي بحكم تقاطع المسالك الجغرافية، وتقاطع المصالح والتاريخ المشترك. فكيف السبيل إلى الحل…؟
المرجعية
إن المرجعية الفكرية والتمثل العاطفي هما اللذان يحددان طريقة التفاعل مع الأحداث واتخاذ القرارات.. ففي كتاب «ضد ملة محمد» المكتوب سنة 1998 يصادق بيدرو باسكوال على الأسطورة المشاعة عن المسلمين باعتبارهم من أكلة لحوم البشر «…كان المسلمون، لدى مرورهم بإسبانيا يشوون أجسام بعض ضحاياهم ويطبخون البعض الآخر، ويتناولونها حينما يجوعون».
هكذا بقيت الصورة الدموية العنيفة للآخر الكافر تنتقل من قصيدة إلى أخرى ومن كتاب إلى آخر، مدفوعة بقوة وحيدة: تعصبها. ولقد ظل طيف الدين الإسلامي «المسعور» يثير تارة الخوف وطورا الهجومات الأكثر عدوانية، ويسكن الأدب الأوروبي كالهواجس ويسلط عليه جاذبيته الكبيرة طوال القرنيين السابع عشر والثامن عشر .
في هذا السياق تؤكد القاعدة النفسية بأنه: ليس هناك سلوكا من فراغ. وأن كل تصرف يكون متوافقا إلى حد كبير مع المرجعية الفكرية التي تنتمي إليها الجماعات والأفراد. ولتغيير السلوك يجب تغيير التمثل، ثم تغيير المرجعية، وهذا ما يحاول الغرب فعله في العالم الإسلامي.. منذ أن تعرف على الإسلام… والتاريخ له شهادات في هذا المضمار.
هناك بعض الأسباب الفكرية التي تؤطر المرجعية الغربية العلمانية، وهي التي تجعلها كما ذكرت تتعامل مع «الحل بالنتيجة». سنذكر بعضها في العدد القادم بحول الله تعالى.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *