رسالــة إلى الشباب طارق برغاني

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تُعرَضُ الفِتَنُ على القُلوبِ عَرْضَ الحَصِيرِ عُودًا عُودًا، فأيُّ قلبٍ أُشْرِبَها نُكِتَتْ فيه نُكتةٌ سَوداءُ، وأيُّ قلبٍ أنْكَرَها نُكِتَتْ فيه نُكتةٌ بيضاءُ، حتى يصِيرَ القلبُ أبيضَ مثلَ الصَّفا، لا تَضُرُّه فِتنةٌ ما دامَتِ السمواتُ والأرضُ، والآخَرُ أسودَ مُربَدًّا كالكُوزِ مُجَخِّيًا، لا يَعرِفُ مَعروفًا، ولا يُنكِرُ مُنكَرًا، إلا ما أُشْرِبَ من هَواه» صحيح الجامع: 2960، (مُجَخِّيًا: مكبوبا منكوسا)، أي من كثرة الفتن وشدتها وتتابعها.
وأشد هذه الفتن ضررا على الرجال النساء، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «ما تَركتُ بَعدي فِتنَةً أضرَّ على الرجالِ منَ النساءِ» البخاري: 5096.
وقد عمت في هذا الزمان مظاهر التبرج والاختلاط في المقاهي والشواطئ والشوارع، وغيرها، وذاعت بواعث الزنا والخنا والعلاقات غير الشرعية، وكل هذه الفتن إنما يكون ضررها في الحقيقة على شباب الأمة أشد، وتأثيرها على الجيل غير المتزوج أعمق، فيهدر المجتمع بذلك طاقة عظيمة هو إليها أحوج، ويبدد قوة فكرية وبشرية هي له أنفع، فهذه أخي الشاب عشر أسباب معينة على الاحتراز من تلك الفتن، أعاننا الله وإياك وجميع شباب المسلمين على التزامها والعمل بها:
غض البصر:
العين نافذة على العالم الخارجي، وهي مدخل من مداخل الشيطان للنظر إلى ما حرم الله، وسد هذا المنفذ عليه بغض البصر يعد من أول خطوات التحصين من الانجرار إلى ما هو شر منه، يقول الله تعالى: «قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْۚ ذَٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْۗ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَاۖ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ» النور:30-31، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «العينُ تَزني والقلبُ يَزني فزِنا العينِ النظَرُ وزِنا القلبِ التمَنِّي والفَرجُ يُصَدِّقُ ما هُنالِكَ أو يُكَذِّبُه» مسند أحمد: 16/153.
ملء الفراغ:
ويكون بطلب العلم النافع والمواظبة على قراءة القرآن وحفظه، وارتياد مجالس الذكر والانخراط في جمعيات ونواد خيرية والقيام بأعمال البر، بزيارة الأقارب وصلة الأرحام، وعيادة المرضى، والإحسان إلى الجيران وبر الوالدين والقيام على حوائجهم والإكثار من النوافل وقيام ما تيسر من الليل، والمحافظة على الصلوات الخمس في المسجد، وممارسة الرياضة مع احتساب كل هذه الأعمال خالصة لوجه الله تعالى، وجعلها أسبابا للتقرب إليه عز وجل، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «نِعمتان مغبونٌ فيهما كثيرٌ من النَّاسِ: الصِّحَّةُ والفراغُ» البخاري:6412، ويقول صلى الله عليه وسلم: «لا تزول قدما عبدٍ حتى يُسألَ عن عمُرهِ فيما أفناهُ، وعن علمِه فيما فعل، وعن مالِه من أين اكتسَبه وفيما أنفقَه، وعن جسمِه فيما أبلاهُ» سنن الترمذي: 2417 (حسن صحيح).
الزواج:
أصل التحصين والعفة، ومفتاح استجلاب الرزق والولد وهو سنة النبي صلى الله عليه وسلم، رغب فيها الشباب وحث على اتباعها، يقول صلى الله عليه وسلم: يا معشرَ الشبابِ، منِ استَطاع الباءَةَ فلْيتزوَّجْ، فإنه أغضُّ للبصَرِ وأحصَنُ للفَرْجِ، ومَن لم يستَطِعْ فعليه بالصَّومِ، فإنه له وِجاءٌ» البخاري:5066، ويقول صلى الله عليه وسلم: «تزوَّجوا الولودَ الودودَ؛ فإني مكاثرٌ بكمُ الأممَ يومَ القيامةِ» صحيح سنن أبي داود:2050 صحيح سنن النسائي حديث رقم 3227
الصوم:
رادع للشهوات، كابح للنزوات، رياضة للنفس وسيلة للعفة وتضييق على الشيطان، والصوم هو البديل الذي أوصى به النبي صلى الله عليه وسلم لمن تعذر عنه الزواج من الشباب ولمن لم يستطع الباءة منهم، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «يا معشرَ الشبابِ، منِ استَطاع الباءَةَ فلْيتزوَّجْ، فإنه أغضُّ للبصَرِ وأحصَنُ للفَرْجِ، ومَن لم يستَطِعْ فعليه بالصَّومِ، فإنه له وِجاءٌ» سبق تخريجه.
مراقبة الله عز وجل: فلتحذر أخي من أن تجعل الله تعالى أهون الناضرين إليك، وليكن حاضرا في سرك وعلنك وفي حركاتك وسكناتك، ولا تُقدم على سوء قبل التمهل واسترجاع عواقبه، فإياك والعجلة في الإقدام والانقياد لنداء الشهوة، وراقب الله تعالى واستحضر مآل صنيعك قبل إتيانه، فكم من لذة عابرة ورثت حسرة دائمة.
مرافقة الصالحين:
الناس معادن ففيهم الصالح والطالح والبر والفاجر، والإنسان مخلوق اجتماعي بطبعه، فهو يتبادل المنافع والمصالح مع أخيه الإنسان سواء في العمل أو الدراسة أو الجوار أو غيرها، لذلك عليك أخي أن تتحلى بفراسة تمكنك من استجلاء نفوس الناس من خلال تصرفاتهم، ومن تقييم أخلاقهم عن طريق تمعن سلوكاتهم في لقاءاتك معهم، حتى تميز الصالح فتلزم رفقته وتفرز الفاسد فتتجنب صحبته، والرفقة الصالحة تعين على الخير وتبادل الحب في الله والبغض فيه، وتذكرك إذا نسيت وتنبهك إن اخطأت وتحرص على جلب النفع لك ودفع الضرر عنك.
اجتناب مناسبات الاختلاط:
لكونها في الغالب محاضن لأسباب الفتن من نظر محرم وتحريك للشهوة وتحريض على الاحتكاك بين الجنسين، وتوفير ذرائع المصافحات وتجاذب أطراف الحديث واللغو المكروه خصوصا إذا كانت مجالس تبرج ويحضرها الغناء والموسيقى واللهو وغيره.
الحذر من الخلوة بالأجنبية:
لأنها من أسهل الطرق لـتأجيج شهوة النفس وأوسع مدخل للشيطان، لاستدراج الإنسان للمعصية، فما خلا رجل بامرأة ولا امرأة برجل إلا وانحرف فكرهما واضطربت خواطرهما وحدثت كل منهما نفسه بسوء، فعن جابر ‏أن النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم قال: (من كان يؤمن باللّه واليوم الآخر فلا يخلون بامراة ليس معها ذو محرم منها فإن ثالثهما الشيطان‏)‏‏، وعن عامر بن ربيعة قال: ‏‏قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم: (لا يخلون رجل بامرأة لا تحل له فإن ثالثهما الشيطان إلا محرم‏)‏‏.‏ رواهما أحمد‏.‏
اجتناب الحديث في الجنس:
وذلك قطعا لأسباب الانسياق لما هو أسوأ، والحديث في ذلك يرفع ستر الحياء ويورث جرأة على انتهاك ما حرم الله، ويفسد النفس والخلق وهو ضرب من ضروب الزنا باللسان، يستدرج الإنسان لا محالة إلى الوقوع في هذه الفاحشة في صورتها الحقيقية، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «كتب على ابن آدم حظُّه من الزنا أدرك ذلك لا محالةَ: فالعينان تزنيان وزناهُما النظرُ والأذنُ تزني وزناها السمعُ واللسانُ يزني وزناه المنطقُ واليدُ تزني وزناها البطشُ والرجلُ تزني وزناها المشيُ، والقلبُ يتمنى ويشتهي والفرجُ يصدّقُ ذلك أو يكذبُه» سنن أبي داوود:2152.
الاهتمام بقضايا سامية:
لا تنسوا يا إخوتي أن فلسطين مغتصبة والأمة الإسلامية تعاني من أمراض التنازع الفكري، والتشرذم المجتمعي، والتخلف التعليمي، والضعف الاقتصادي، والانهزام النفسي، والأمراض المزمنة، والبطالة المستفحلة، وتربص الأعداء من الداخل والخارج، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «إنَّ اللهَ تعالى يُحِبُّ مَعاليَ الأُمور وأَشرافَها، ويَكرَهُ سَفْسافَها» صحيح الجامع: 1890.
اللهم أصلح شباب هذه الأمة، وحصنهم من الفتن ما ظهر منها وبطن.
والحمد لله رب العالمين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *