التقصير في فهم كتاب الله -3-

إن فهم القرآن والعمل به هو الأصل الذي من أجله أنزله سبحانه وتعالى، فمن الخطأ البين أن نتعامل مع الأصل على أنه فرع، والواجب على المسلم أن يسعى للجمع بين الأمرين، بين الأصل الذي هو فهم القرآن، وبين الفرع الذي هو قراءة القرآن؛ ولتوضيح هذا الأمر نقول: لو ركب إنسان سيارة أجرة، ثم خلال مشواره أخذ يلتفت يمنة ويسرة للفرجة والاستطلاع بدون أن يوجه السائق إلى المكان الذي يريد أن يصل إليه.. لقد ترك صاحبنا بفعله هذا الأصلَ والهدف من ركوب السيارة، وهو الوصول إلى مكان محدد، وبدلاً عن ذلك استمتع بالأمر الفرعي الذي هو الفرجة والاستطلاع، فهو بكل تأكيد لن يحقق الهدف الأساس، وكان بإمكانه أن يجمع بين الإثنين، الوصول إلى المكان الذي يريده، مع الفرجة أثناء الطريق.
ثم أين الفرحة بهذا القرآن العظيم، التي أشار إليها كتاب ربنا؟
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ * قُلْ بِفَضْلِ اللهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ}، إنك لا تكاد ترى الفرحة مرسومة على محيا الكثيرين بوجود كتاب الله بين أيديهم، وتيسيره لهم ليقرأوه، قال تعالى: {وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ}.
هذا الكتاب العظيم الذي أخبر سبحانه وتعالى أنه لو نزل على جبل لخشع وتصدع من خشية الله، قال تعالى: {لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُّتَصَدِّعاً مِّنْ خَشْيَةِ اللهِ}، تجد من الناس اليوم من يسمع هذا القرآن -الذي نعته جل في علاه بهذه النعوت- من الإمام في صلاة التراويح طوال ساعة أو أكثر، فلا يخشع ولا العين تدمع، ثم إذا ما دعا الإمام في الوتر صاح الكثير من هؤلاء وبكوا.. فأين هم من خشوع وتصدع الجبل الجماد لو أنزل عليه القرآن؟
بسبب هذه الممارسة الغريبة لقراءة كتاب رب العالمين فإنه ليس غريباً ألا تجد تغييراً على سلوك الكثيرين، حتى بعد ختمه للقرآن مرة أو أكثر في رمضان، بل نجد بعضهم يزداد سوء بعد رمضان، وكأنه يفرح بانتهاء شهر الصوم كما يفرح السجين عند إطلاق سراحه.
وحتى نقف على خطورة هذه الممارسة في قراءة كتاب الله تعالى، نحتاج أن نضرب أمثلة على بعض توجيهات القرآن التي لو استوعبها هذا المستعجل وعمل بها لتغيرت حياته بالكلية:
لو قرأ المسلم كتاب الله بروية وفهم واستيعاب واتباع لقوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَّهُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ}، لَعَلِم أن هذه من أوصاف المؤمن الحق، ولأستدرك ما به من قصور، ولأخذ في الارتقاء في درجات الصلاح.
يتبع..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *