دار القرآن.. شهادة من يكتمها فهو آثم قلبه عبد المغيث موحد

رمال الإخلاد إلى الأرض متحركة عاصفة يطؤها المتعالمون بنية أنهم قوم أملك لإربهم؛ وأولياء لا خوف عليهم ولا هم يحزنون؛ فتعكس لنا تراكمات تجارب هذا الوطء المقيت أن حركة هذه الرمال تأخذ الراغبين في دفئ الحياة الدنيا ومتاعها القليل صوب الدرك الذي يحصل معه الانسلاخ الكسبي، ويليه اللهث الكلبي الذي يعتسف أصحابه في تجربة الغرق مصائب تنوء بحملها الجبال الراسيات، فيسجل علينا خصوم الدين مروقا يسحبونه ويحسبونه على الدين وما هو من الدين.
وحق لخبء هذه النفوس المريضة أن يظهر وتصير لجعجعته ندية المواجهة؛ وحق لمكامن بغضاءهم أن تهيج وتكر بخيلها ورجلها على خنادق الملة؛ وهي تسمع من يفتي باسم الدين بجواز وطء الرجل لزوجه المتوفاة؛ وبجواز شرب الخمر حد الثمالة تلبية لغنج الوحم؛ وبجواز تحقيق المحصنة لمتعتها باستعمال الأير المطاطي؛ وبجواز مضاجعة المرأة البلاستيكية؛ وبجواز الخلوة بالأجنبية إذا رضع ثديها..
ولا يزال حبل الجواز يطول ويطول وبين بدايته ونهايته كوارث تتناسل يوم بعد يوم؛ شعار أهلها الأولوية لمصالح الناس، وأن مصلحة الناس اقتضت تقديم الحياة وما يؤثث أنفاسها على حساب ما حصل منه الإشباع حد الملل والسآمة من فقه حيض واستحاضة، وأخبار أهل القبور، وذكر هادم اللذات، والإحالة على الغيب الآجل على حساب المعاين العاجل..
ولا عجب ولا ضير أن ينادي بهذا الاتجاه المطففون من الذين لا يرقبون في الدين إلا ولا ذمة من الذين صلتهم بالله صفر، والذين يعتلون المنابر المكتوبة والمسموعة والمرئية لضرب عرى الدين وإبداله بالوافد الحداثي، ولكن العجب كل العجب أن يتبنى هذا التوجه المنتمين إلى قلعة الإسلام الخضراء والذين من المفروض أن نتقاسم وإياهم حمل الميراث المشرقي النفيس وتبليغه إلى الناس كافة ودعوتهم إلى الدخول في رحابة شريعته أفواجا أفواجا..
عجيب عجيب أن أسمع عن أخ سبق وأن لامس ردفه سجاد دار القرآن ونهل من صفاء الواسطية ونقاوة التذمرية، وامتحن في الورقات الأصولية وتشبع بزاد المعاد والأصول الثلاثة التي جاء بها خير العباد، عجيب أن يتكلم أخونا عن دار القرآن في مجلس غزله ليس على نسيج واحد، وأن يركب صهوة النبز والتحذير من هذه الدار الكريمة بدعوى أنها تنشر الفكر المناقض للثوابت المغربية، وتسعى عبر القيمين عليها إلى إدخال الأمة المغربية في أتون الفتنة الأخاذة، والتضييق على الانتساب لمذهب مالك على حساب الانتصار لمذهب المشارقة وأعني بهم الحنابلة، وضرب العقيدة الأشعرية عقيدة الجمهور بالنادر الذي لا حكم له، مما جاء به شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله رحمة واسعة، وهو من هو، هو الذي جاءني في يوم من أيام العافية متأبطا العدد الأول من مجلة المجلس العلمي الأعلى وقد بلغ به الحنق مبلغا ليخبرني أنه فرق نسخا من هذا العدد على أعيان من طلبة العلم غايته من ذلك الرد على الرويبضة الذي كتب مقالا يكشف عبر سطوره عن أشعرية السلف والخلف؛ وأنها عقيدة أهل السنة والجماعة عل الحق والصدق؛ وإفحامه بالدليل الذي يفزع إليه السلفيون عند دفع الصائل ببدعة الأعلم والأحكم.
فيا ليت شعري أيهما أولى بالنبز والتحذير والمخاصمة دور القرآن أم دور الخنا ومراتع الزنا؛ أم دور القمار وعلب الليل؛ حيث يولغ الشراب النجس على نغمات بريد الزنا ورقصات الكاسيات العاريات أخيات الدين والوطن، أيهما أولى بالنبز دور القرآن أم مجالس اللغو والبهتان وأكل لحوم بني الإنسان من أهل العلم والعرفان؟!
أيهما يتهدد ثوابت الهوية المغربية تبيعتنا للغرب العلماني/الصليبي والشرق الملحد أم عضنا بالنواجذ على الاعتصام بحبل الله جميعا حبل الأخوة في الملة والدين مع إخوتنا في المشرق مهبط الوحي ومسقط رأس الأئمة الأعلام من أمثال مالك وأحمد وقائمة الأشراف طويلة طويلة عرضها كطولها لا يتخلف عن الانتساب لها إلا هالك؟!
فشتان أخي بين دار ربطتنا على الدوام بأقوام موتى تحيى القلوب بذكرهم؛ وبين دور مريدوها أقوام أحياء تموت القلوب بمخالطتهم، فإن كان البعض منا قد نسي أو تناسى فقد أحصاه الله وأحببنا أن نتعبد بذكراه.
في دار القرآن تعلمنا أن العقيدة أصل أصيل وركن في هذا الدين ركين، ومع تعلمنا تجنبنا قدر الوسع والطاقة ألا نصرف ربوبية ولا ألوهية لغير الله جل جلاله.
في دار القرآن خاصمنا عقيدة ما ألفينا عليه أبائنا من التبرك بالأشجار والأحجار وتمعير الجباه وتقبيل الحيطان عند كل صاحب قبة وقبر.
في دار القرآن تعلمنا المعلوم من الدين بالضرورة، والذي يعذر أحد بجهله كائنا من كان.
في دار القرآن تعلمنا أن طاعة ولاة الأمور في المعروف من طاعة الله تعالى.
وفي دار القرآن تعلمنا كيف نجتنب شبه التكفير وننأى بأنفسنا عن مصائب التفجير.
في دار القرآن صارت لنا منعة من كل بدعة وضلالة.
في دار القرآن سمعنا أن الدنو من الباطل هلكة. القول به يصد عن الحق، واعتياد سماعه وقبوله يكسب القلب تحريفا لمراد الله عن مواضعه.
في دار القرآن تعلمنا أن العلم ليس بكثرة الرواية إنما العلم ما حمل على العمل والخشية.
في دار القرآن تعلمنا أن هذه النفس المنفوسة بين أضلعنا شريك خوان بل تعلمنا أن آفة كل عبد رضاه على نفسه، وأن من نظر إلى نفسه باستحسان شيء منها فقد أهلكها، وأن من لم يتهم نفسه في حركاته وسكناته فهو هالك مغرور.
في دار القرآن أعدنا كرَّة النظر في وضوءنا وصفة صلاتنا فوجدنا خرق الابتداع قد كاد يجعل عملنا هباء منثورا.
في دار القرآن انسلخنا عن جلد المكابرة ومسلاخ التعصب وتعلمنا أنه لا اعتقاد إلا بسبق استدلال، فلا نقول حتى يقول الله ورسوله، امتثالا لأمر الله تعالى: {يأيها الدين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله}.
وهذا ديدن الصحابة ومن حدا حدوهم واستن بسنتهم، وخالف من اتبع هواه واستغنى عن الأدلة الشرعية وأظهر الافتقار والتعويل على شنشنة كلام الرجال.
في دار القرآن تعلمنا قواعد الدعوة إلى سبيل الرب بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن، وإذا ما أغلظنا القول مع معاند مكابر فقد أخبرنا بعض معلمينا في هذه الدار أن الإساءة بلسان الحق إحسان.
فهذه شهادتنا ستكتب ونسأل عنها يوم القيامة شهادة نعلم علم اليقين أن من يكتمها فهو آثم قلبه، فكيف بالذي أخرجها مخرج الزور والبهتان.
نسأل الله لنا وله أن يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه، ويرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *