تشهد ساحات الأقصى منذ أيام أحداثا متصاعدة، مع بدء سياسة التقسيم الزماني وقرب مرحلة التقسيم المكاني، مما حرك المياه الراكدة في الساحتين الفلسطينية والإسلامية، خاصة مع إطلاق الحملة الإعلامية الشبابية الواسعة “لن يقسّم” لتسهم في تفعيل الحراك الرافض لتقسيم الأقصى.
وتداعت الفصائل الفلسطينية إلى التنديد والوعيد تجاه الإجراءات التصعيدية التي يتخذها الاحتلال، في وقت توالت ردود الفعل الإسلامية الرافضة للانتهاكات الصهيونية المتواصلة.
وفي المواقف الفلسطينية، حذّر الناطق باسم حركة المقاومة الإسلامية (حماس) حسام بدران الاحتلال الصهيوني من تبعات التصعيد في الأقصى، مؤكدا أن ذلك سيقابل بتصعيد من قبل المقاومة، ومشددا على أن الاعتداءات المتكررة على المقدسات ستؤدي إلى انفجار هائل بوجه الاحتلال.
من جانبها، قالت لجان المقاومة في فلسطين “إن جرائم العدو الصهيوني في الأقصى تستوجب الرد بقوة وإشعال انتفاضة وثورة عارمة للدفاع عن المقدسات وإفشال مخطط تقسيمه”.
وأكدت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين أن التصعيد المستمر في القدس “له تداعيات خطيرة لن تمر مرور الكرام”، وأن الاحتلال لن يكون بمنأى عنها، وفق بيانها.
بينما دعت حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) إلى “النفير العام والخروج لمناطق الاحتكاك للانفجار بوجه المحتل وأعوانه ضد ممارساته واعتداءاته المتكررة بحق الأقصى”.
اقتحام باحات المسجد الأقصى والاعتداء بالقنابل الدخانية على المسجد القبلي
أصيب عشرات المصلين والمعتكفين بجراح وحالات اختناق، يوم الأحد 13 شتنبر الجاري، جراء إطلاق قوات الاحتلال الصهيوني الرصاص المطاطي والقنابل الغازية والصوتية خلال اقتحامها المسجد الأقصى المبارك والجامع القبلي المسقوف من جهة باب المغاربة، وهرعت سيارات الإسعاف إلى داخل الأقصى، ونقلت عددًا من المصابين، بعد إلقاء القنابل بداخله على المصلين والمرابطين، ما أدّى لوقوع إصابات وحرق جزء من الجامع القبلي.
كما جرى تحطيم نوافذ وأبواب الجامع القبلي بعد اقتحامه من قبل قوات الاحتلال التي وصلت إلى منطقة المحراب، واعتدت على المعتكفين بالرصاص المطاطي والقنابل الدخانية والغاز السام، وتصاعدت أعمدة الدخان من نوافذ الجامع، ما أدى لاحتراق جزء من السجاد والمصاحف.
واعتدت قوات الاحتلال على النساء والصحفيين بشكل وحشي، وجرى إخراج المرابطين وحراس الأقصى إلى خارج أسواره، حيث جرت مواجهات مع قوات الاحتلال.
ودارت مواجهات عنيفة داخل باحات المسجد الأقصى بين جنود الاحتلال والشبان الفلسطينيين، واعتقل عدد كبير منهم وأصيب آخرون جراء الرصاص المطاطي وغاز الفلفل، وكان وزير الزراعة الصهيوني ترأس مجموعة من المستوطنين في اقتحامها للمسجد الأقصى المبارك، وتأتي هذه الاقتحامات بمناسبة ما يسمى رأس السنة العبرية.
حظر نشاط «المرابطين والمرابطات» المدافعين عن الأقصى
في تصعيد خطير أصدر وزير الأمن الصهيوني موشي يعالون، الأسبوع الماضي، قرارا بحظر ما أسماه تنظيمي «المرابطين والمرابطات» في المسجد الأقصى والإعلان عنهما كـ«تنظيم غير قانوني».
وجاء هذا القرار بعد توصية من وزير الأمن الداخلي جلعاد أردان بحظر ما أسماه تنظيمي «المرابطين والمرابطات» في المسجد الأقصى، بحجة أن هدفها الإخلال بالأمن العام ومنع صلاة اليهود في المسجد الأقصى.
وقال المحامي عمر خمايسي من مركز «ميزان» لحقوق الإنسان إن الإعلان عن المرابطين والمرابطات كمنظمات محظورة هو إعلان «فضفاض»، وفي التالي فإن تنفيذه من الناحية القانونية فيه صعوبة كون المرابطين والمرابطات ليست مؤسسات أو جمعيات، وإنما الرباط عبادة يؤديها المسلمون في المساجد أي كانت.
وقال إن خطورة هذه الخطوة تكمن في أنها تشكل اعتداء على شعائر الإسلام، وأن الموضوع هو موضوع سيادة على المسجد الأقصى، والهدف منه هو تفريغه من المسلمين وفرض سيطرتهم عليه حتى يستمروا في تدنيسه.
وأضاف: «نقول هنا أنه لا توجد هناك مؤسسات أو جمعيات أو منظمات مرابطين ومرابطات، إنما نرى أن كل المسلمين الذين يدخلون المسجد الأقصى، هم أصلا يدخلون هناك بنية الرباط بين الصلوات. وهذا الإعلان يدل على غباء الاحتلال لأنهم يريدون صبغ جميع المسلمين بأنهم يتبعون منظمة محظورة وإخراجهم عن القانون».
التضييق على المقدسيات والمشاريع المناصرة للمسجد الأقصى
وسبقت خطوة حظر أنشطة “المرابطين والمرابطات” سلسلة إجراءات تصعيدية استهدفت سلطات الاحتلال خلالها النساء في المسجد الأقصى، حيث منعت دخولهن صباحا الى المسجد كما قامت بحجز بطاقات الهوية للرجال كشرط لدخولهم، عدا عن المداهمات الليلية لمنازل النساء المرابطات في المسجد.
وتستهدف سلطات الاحتلال، منذ مدة، أي نشاط مناصر للمسجد الأقصى، إذ أغلقت في 4 شتنبر العام الماضي مؤسسة «عمارة الأقصى والمقدسات» الراعية للمشاريع المناصرة للمسجد الأقصى، كما أغلقت مطلع العام الحالي مؤسستي «الفجر» و«رواد الأقصى» الراعيتين لمجالس العلم فيه.
وفي مقابل تشديد الخناق على المسلمين في المسجد الأقصى، تقوم قوات الاحتلال بتسهيل اقتحامات المستوطنين والسماح لهم بأداء شعائر تلمودية في باحاته، كما فرضت على حراس المسجد الأقصى عدم التعرض أو الاقتراب من المستوطنين أثناء اقتحاماتهم.
ومن جهته قال المحامي زاهي نجيدات -الناطق الرسمي باسم الحركة الإسلامية في الداخل الفلسطيني- «ان هذه الخطوة الرعناء هي لصد أهلنا عن المسجد الأقصى المبارك ونصرته»، وشدد على أن الرباط حق ديني وعبادة لا يحق ليعالون وللاحتلال أن يمنعه، مشيرا إلى أن هذه الخطوة تعكس الاضطهاد الديني بعينه، وأكد «أن الأقصى لن يبقى وحيدا».
رابطة العالم الإسلامي: اقتحام الأقصى استفزاز للمسلمين
أدانت الأمانة العامة لرابطة العالم الإسلامي، والهيئات والمراكز والمؤسسات التابعة لها، قيام سلطات الاحتلال الصهيوني بإغلاق الحرم المقدسي في وجه المسلمين واقتحامه.
جاء ذلك في بيان أصدره عبد الله التركي، الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي، وعضو هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية، بيَّن فيه أن هذا العمل العدواني ضد ثاني مسجد وضع في الأرض بعد المسجد الحرام، ومسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم، يأتي في إطار السياسات الصهيونية الإجرامية، والعقوبات الجماعية التي يمارسها الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني، متحدياً بذلك مشاعر المسلمين بما يتكرر من انتهاكاته لمقدساتهم، وفقا لصحيفة الرياض.
وأكد الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي، أن الخطوة التصعيدية من قبل قوات الاحتلال الصهيوني، المتمثلة بإغلاق المسجد الأقصى في وجه أهله، سابقة خطيرة منذ وقعت المدينة المقدسة تحت الاحتلال في العام 1967م.
وتعتبر استفزازاً لمشاعر المسلمين في مختلف بقاع العالم، واستخفافاً بالمبادئ والقيم الدينية، وبالقرارات الدولية التي تمنع العدوان على المسجد الأقصى، وللمواثيق الدولية التي تحمي دور العبادة في أثناء الحرب، أو فترة الاحتلال للمناطق الواقعة فيها.
وحذَّر التركي من سوء مغبة هذه الخطوة العدائية، التي تستهدف تهويد القدس والمسجد الأقصى، مذكراً بما أصدرته رابطة العالم الإسلامي ومجالسها، في عدة مؤتمرات ومناسبات، مؤكدة على التمسك بعروبة المدينة المقدسة وإسلاميتها، وعدم قابلية حق العرب والمسلمين فيها للتنازل، وعدم مشروعية الإجراءات الصهيونية في تهويدها وطمس معالمها الإسلامية، ومطالبة المجتمع الدولي بالتدخل للتراجع عن هذه الإجراءات العدوانية.
ودعا الأمين العام للرابطة، منظمة التعاون الإسلامي وجامعة الدول العربية، والمنظمات الدولية والإنسانية، إلى مواجهة ما يحدث في المسجد الأقصى والقدس، ووضع حد لهذه الانتهاكات الخطيرة والمتكررة، وإلزام الكيان الصهيوني باحترام الأماكن المقدسة، وأن تعمل الجهات الدولية والإقليمية على حماية القدس الشريف، باعتباره تراثاً إنسانياً حضارياً إسلامياً.
كما أهاب بقادة الأمة الإسلامية، أن يبذلوا جهودهم في حماية مدينة القدس وأهلها، والتصدي لما يتعرض له المسجد الأقصى، من العدوان والإغلاق والتدنيس، وإيذاء المصلين، والاعتداء عليهم، ومنعهم من أداء صلواتهم فيه: “وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُوْلَـئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلاَّ خَآئِفِينَ لهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ” [البقرة:114].