قبل أيام قليلة حلَّ «أحمد عصيد» ضيفا على قناة «الحياة» التنصيرية؛ واختار الناشط «الحقوقي» العلماني هذا المنبر الذي صار رمزا للتطرف المسيحي في العالم بأسره، كي يهاجم مجددا المسلمين في دينهم وعقيدتهم وعلمائهم، ويحلل واقع الدولة المغربية وينتقد قراراتها اللاعلمانية ويكشف استغلالها البشع للدين.
فعصيد -كما يعلن عن ذلك في العديد من المناسبات- ضد التطرف بكل أشكاله وهو حريص كل الحرص على محاربته أيا كان مصدره، لكنه؛ ويا للعجب؛ اختار قناة دينية متطرفة؛ ذات نزعة «أصولية مسيحية»؛ كي يدعم تطرفها ويقف في صفها ويطعن في دين من يعيش بين أظهرهم، ويرمي علماءهم بالجهل والتخلف، ويصفهم بالآلات التي فقدت صلاحيتها، ويحذر أيضا من خطر الإخوان المسلمين المتشددين، والوهابيين المتطرفين الخطرين!!!
فمن هي قناة «الحياة» التي استضافت عصيد؟
قناة الحياة قناة تهدف إلى تنصير المسلمين وتشكيك ضعاف الإيمان بدينهم، وتعلن كفاحا مهاجمة الإسلام والطعن الصريح في القرآن والسنة، وتتبنى خطة المواجهة والهجوم العنيف على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وحياته الخاصة بطريقة بعيدة عن الأخلاق والآداب العامة لكل دين.
وقد أعدت القناة مجموعة برامج مخصصة لهذا الغرض، تستهدف عقائد المسلمين وتستهزئ بها، من قبيل أن يذكر أحدهم مثلا آية من القرآن الكريم أو حديثا نبويا ويقوم بتفسيره بشكل كوميدي استهزائي.
أما في برنامج «اسأل عن الإيمان» الذي يقدمه القس المتطرف «زكرياء بطرس» فيرتفع صوت الحقد والكراهية، وتعلو لغة السبّ الصريح في الإسلام ونبي الإسلام وأحكام الإسلام، وللإشارة فقط فزكرياء بطرس قس مصري مطرود من بلده ولا تعترف به الكنيسة المصرية، وهو وثيق الصلة بأمريكا وكثير الزيارة للكيان الصهيوني الإرهابي، وقد تمت استضافته عل قناة «آموز» الصهيونية في برنامج خصصه للهجوم على القرآن الكريم والتشكيك في صحته.
المرتد رشيد المغربي
تضم هيئة تحرير قناة «الحياة» عددا من المرتدين الذين صاروا منصرين يحملون أسماء عربية، من قبيل: أحمد وجعفر وعلي ورشيد المغربي… هذا الأخير الذي رفع قبل سنوات تحدي ترجمة القرآن الكريم إلى الدارجة المغربية، حتى يكشف -وفق هرائه- أنه كتاب عادي وغير معجز، لكن يبدو أن سعيه قد خاب وأن جهوده ذهبت أدراج الرياح.
ويتسم (رشيد المغربي) أو رشيد الحمامي بنزق ملفت للنظر، وحقد ظاهر على الإسلام والمسلمين، ويمكن الوقوف على ذلك من خلال برنامجه المذكور وضيوفه الذين يستقطبهم من مختلف بقاع العالم، ومنهم العلمانية الملحدة وفاء سلطان، المعروفة بعدائها للإسلام من خلال مواقف عديدة، كتأييدها ومباركتها للرسوم الدنماركية المسيئة لرسول صلى الله عليه وسلم، ودعمها الكامل للعدوان الصهيوني على غزة..
ماذا قال عصيد في برنامج «حوار جريء«
تخلى عصيد في هذا البرنامج عن كل مساحيق التجميل التي يؤثث بها كلامه، وعن الأقنعة التي يتوارى خلفها في كثير من خرجاته الإعلامية داخل أرض الوطن ليمرر قناعاته، ومن تابع وحلل طرحه في حلقة “حوار جريء” سيتأكد له أن عصيد شعر فعلا بالدفء وهو في حضن (الأصوليين المسيحيين)؛ وأظن أن عرضا مجملا لبعض ما قاله في هذا البرنامج يؤكد ما ذكرته، حيث قال:
– الشخصية الإسلامية مصابة بعطب والمسلمون عندهم خلل في معنى الإيمان.
– الإيمان الإكراهي والقهري بالنسبة للمسلمين أمر عادي.
– المغرب بلد المفارقات العجيبة والدولة المغربية تعتبرك مسلما بالفطرة وتستغل الدين في السياسة.
– عندما تريد الدولة أن تتخلص من مسيحي مغربي تلفق له تهمة.
– حركة التوحيد والإصلاح حركة متشددة.
– الإخوان المسلمون أجهضوا النهضة وصنعوا ثنائية الخير والشر.
– ظهور البترول في جزيرة العرب نقمة ولعنة أصابتنا جميعا.
– الإخوان والسلفيين هم من أجهض الثورة في مصر.
– المسلمون لم يجدوا بعد طريقهم نحو السعادة من منطلق الإيمان لأنهم يعتقدون أنه من مسؤوليتك كمؤمن أن تفرض على غيرك إيمانك، وأن تجعل غيرك يخضع لإيمانك ويتبع طريقك، لذلك يشقى المؤمنون ويسعد غيرهم.
– الإسلاميون يغرقون في نزعة أخلاقوية فلكلورية ولكن لا أخلاق لهم.
– نحن نربي أبناءنا من خلال مقررات التعليم على أن الإسلام هو الدين الصحيح.
– المجلس العلمي الأعلى يرفض حرية المعتقد ويقول دون أي اجتهاد (من بدل دينه فاقتلوه).. عدنا إلى القرون الوسطى بشكل تام.
– المتطرفون وعلماء المسلمين يكرهون التاريخ لأنهم يخافون.
– ليس من حق أي أحد الدولة أو غيرها أن تقول أريد أن آخذ من حقوق الإنسان هذا وأدع هذا.
– لازال الإسلام يعتبر غاية في ذاته هذا شيء خطير.
– الذين يحاكمون الناس بأنهم لا يصومون في رمضان أو أنهم مثليون يريدون احتكار الفضاء العمومي لأنفسهم والدفع بالآخرين إلى الفضاءات الخاصة.
– البهائيون يتعرضون لموجة اضطهاد منذ عهد الاستقلال ولا يستطيعون حتى تصحيح ما ينشر في الصحف عنهم.
– تقوية الروابط الوطنية يجب أن يكون على أساس الأرض وليس على أساس الدين أو العرق أو اللغة لأن الأرض أم الجميع.
– مصير الإسلاميين هو العلمنة وأن يصبحوا مثل الحزب الديمقراطي المسيحي. اهـ.
يدعي هذا على الرغم من أن الإسلام هو الدين الأكثر انتشارا في العالم، وأن أتباعه بخلاف كل الملل الأخرى يزيدون ولا ينقصون، وأن الإحصائيات تؤكد أن دولا أوروبية كبرى مثل ألمانيا وهولاندا.. تسير بخطى حثيثة نحو الأسلمة!!!
التحالف العلماني المسيحي
هذا التحالف صار مقررا في جل الدول التي توجد بها أقليات مسيحية؛ كمصر ولبنان وغيرهما؛ فالعلمانية وعبر التاريخ تستغل النصرانية المحرفة التي تعمل تحت شعار: (دع ما لله لله.. وما لقيصر لقيصر) كوسيلة لإعادة تشكيل العقلية الإسلامية وخلق أقليات داخل الدول المسلمة؛ وما نبأ «نابوليون بونابارت» عنا ببعيد حين قدم إلى مصر (1798م-1801م) في جيش جرار يتقدمه آلاف المنصرين؛ والحالة نفسها عاشتها معظم الدول الإسلامية التي رضخت تحت وطأة الاحتلال البغيض؛ ومنها المغرب.
ويحكي لنا الشيخ المكي الناصري رحمه الله في كتابه “فرنسا وسياستها البربرية في المغرب الأقصى” أنه:
»مع قدوم الاحتلال -العلماني- إلى المغرب، تكفلت الحكومة الفرنسية بحماية وتشجيع الدعاية التنصيرية، وخصتها بنفقات كثيرة، ومساعدات وفيرة، من الميزانية العامة للمغرب ومن ميزانية الأوقاف الإسلامية، ومن أوراق اليانصيب التي تفرضها على جميع الموظفين المسلمين، لحساب التنصير والمنصرين.
ومنذ 1923 قويت حركة التنصير بين المسلمين، وأسست فرنسا مركزا عاما للتنصير في عاصمة المغرب وربطته بفروع منتشرة في المدن والضواحي، والقبائل الخاضعة والمستقلة، وجعلت لهذا المركز مجموعة من السيارات تنتقل ما بين فرع وآخر، وتنقل المسلمين الذين تقوم الكنيسة بتنصيرهم من الفروع إلى المركز العام.
..في نفس الوقت الذي حرم فيه الوعاظ والفقهاء المسلمون من الانتقال إلى تلك الأحياء، كانت مدارس دينية تنصيرية تفتح، وكنائس تؤسس، وكانت كتب العقيدة النصرانية تطبع بلهجة المغرب العامية، وجميع اللهجات البربرية، وتوزع في جميع نواحي المغرب، بل إنها أصبحت توزع في الإدارات الرسمية على الموظفين الكبار من المسلمين (كما كان يوزع المسيو “مارتي” مدير العدلية الإسلامية كتاب “حياة المسيح” في مكتبه على موظفي إدارته).
وناصر هذه الحملة جميع الموظفين العسكريين والمدنيين، وجميع التجار والمعمرين، حتى أن أصبح بمدينة الرباط وحدها ما يزيد عن خمس كنائس عظمى، وحتى أصبح عدد المدارس التنصيرية لا يحصى» (بيان مختصر من الأمة المراكشية للشيخ محمد المكي الناصري -رحمه الله- بتصرف).
وفي وقتنا الحاضر لازال العلمانيون يدعمون التنصير ويدفعون في اتجاه قبوله ورفع التجريم عن زعزعة المعتقد والرّدة عن الدين، وقبل أن يجدد عصيد هذا المطلب ويبح صوته لتمكين إخوته من حق التبشير بدينهم، طالبت العديد من المنابر الإعلامية من قبيل «الأحداث» و«الصباح» بذلك، ونذكر أن مجلة «نيشان» سبق وخصصت صفحتين في عدد لها للمرتد رشيد المغربي وأسبلت عليه عبارات الثناء العطرة، وسمحت له بأن يمرر أفكاره ويطعن في الإسلام ويشكك في صحته.
في الختام
أود التنبيه أن من يلقي علينا الدروس في تدبير الخلاف، وقبول الاختلاف، والتسامح مع الآخر، ويؤكد في مناسبة وبدونها أن الجميع من حقه أن يدعوا إلى دينه وما يعتقده بحرية دون منع أو مصادرة سلطوية؛ سبق وخط بيمينه أو بشماله -لا أدري- أنه: «خارج المساجد يتواجد بالمغرب دعاة منفلتون من عقال السلطة، يسعون بإصرار إلى احتلال ساحة الوعظ الديني عبر استعارة أساليب الدعاة الوهابيين المنتشرين على ما يقارب 500 قناة تلفزية ممولة من أموال النفط الخليجي» (مقال: “هل النموذج المغربي في تدبير الشأن الديني قابل حقا للتصدير؟”).
فما يضير عصيد إن اختار هؤلاء الدعاة الوهابية أو غيرها ليبشروا بها؟!
ثم هل مهمة الحقوقي هي مصادرة الحقوق أم السعي إلى تعميمها وتنزيلها على أرض الواقع؟!
إن الخلاف مع العلمانيين داخل المغرب وخارجه ليس خلاف تنوع أو خلاف فروع، وإنما هو خلاف أصول؛ وخلاف عقيدة، وهو نتيجة حتمية لنظرة متناقضة من الطرفين للكون والحياة والإنسان.
فمعظم كلام عصيد في البرنامج المذكور يتمحور حول فكرة: “مركزية الإنسان في الكون”، وأنه لا يخضع لأية وصاية دينية أو اجتماعية أو عرفية، وأن باب الحريات مفتوح أمامه على مصراعيه، سواء تعلق الأمر بالمعتقد أو السلوك أو غير ذلك.
وهذه فكرة غربية مادية نشأت في بيئة وظروف مغايرة لظروفنا وبيئتنا، يستصنمها أتباع هذا التيار ويدافعون عنها ويسعون إلى التبشير بها بين أظهر المسلمين دون إعمال للعقل أو الواقع ونتائجه، ودونهم خرط القتاد.
ولئن كان العلمانيون يلغون المقدس ولا يعيرون اهتماما للشريعة الإسلامية وما جاءت به فإن المسلم حين يقرأ قول الله تعالى: (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثاً وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ)، وقوله تعالى: (أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى)، لا يؤمر ولا ينهى.. وقوله سبحانه: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)، يوقن أنه لم يخلق إلا لتحقيق العبودية في كل مجالات الحياة، وأنه موقوف ومحاسب على عمله في الدنيا.
هذا ما يعتقده المغاربة ويدينون به، أما استصنام الأفكار البشرية الغربية في المنطلقات والنتائج، واتخاذها مرجعية، وإلزام المجتمع بها، والاستقواء بالأجنبي لفرضها، فلن يزيد المجتمع إلا يقينا بأن الغرب كما حارب ويحارب بآلاته العسكرية لتخريب الأوطان واستنزاف الخيرات، يحارب أيضا عبر عملائه لفرض مرجعيته وترسيم نموذجه لكون والحياة والإنسان.