إن المسؤولية عن المستوى البهيمي الذي وصلنا إليه من سفور وعري فاق تبرج الجاهلية الأولى ملقاة على عاتق كل المسؤولين في البلاد، فلا حماية للأعراض دون ستر وعفة وحياء فإن شجعنا أسباب الفاحشة والفجور فلا معنى لتجريمنا للخيانة الزوجية والزنا واللواط.
ألا يمكن أن نستمتع بأشعة الشمس ومياه البحر ورمال الشاطئ دون أن نخالف المعلوم من الدين بالضرورة؟
ما أن يقبل فصل الصيف بالمغرب، حتى تنظف الشواطئ، وتعد النزل، وتتفنن المحلات التجارية بعرض آخر منتجات دور الأزياء والموضة، لتكثر الإباحية والمنكرات ويتجرد الناس من لباس الحياء والحشمة والوقار، ضاربين بعرض الحائط كل القيم والأعراف والتقاليد، وكأن فصل الصيف مرحلة رفع فيها التكليف، وانعدمت فيها ضوابط الشرع والدين.
فلا تكاد تميز خلال فصل الصيف في شواطئنا بين نساء المغرب ونساء أوروبا، لأن بعض نساء المغرب اجتهدن تأسياً بالغربيات في أن يظهرن مفاتنهن دون اعتبار لأحكام الشرع الحنيف.
هذه الحالة المقززة والمخالفة للفطرة لم تعد حالة شاذة في المجتمع المغربي، إذ أصبح التطبيع لفاحشة التهتك على الشواطئ منتشرا فيما يشبه الوباء، عن طريق وسائل الإعلام ودور الأزياء والموضة التي غزت المجتمع المغربي، فأصبحت العديد من فتياتنا المغرر بهن يجتهدن في اتباع آخر صيحات الموضة في اللباس العاري عبر متابعة القنوات الفضائية، ومجلات الخليعة، وكذا فتياننا وشبابنا الذي أصبح كل همه إشباع شهوتي البطن والفرج.
إن الزائر للشواطئ المغربية سيجد نفسه محاصراً بنساء عاريات، كل ما استطعنه هو ستر العورة المغلظة فقط، ولا تجد صاحبات هذه الأجساد العارية حرجاً من التمايل والاسترخاء تحت أشعة الشمس الدافئة بغية تغيير لون الجلد، فبعض الفتيات لا يرين هذا السلوك مثيرا للاشمئزاز والاستغراب، إذ سباحة النساء عرايا في الشواطئ المغربية أصبح أمرا عادياً، بل في بعض الشواطئ من يسبحن وهن مجردات من الثياب تماما.
الأسرة المسلمة والشاطئ
..في ظل هذا الجو الموبوء لا تجد الأسرة المسلمة التي تسعى للحفاظ على دينها وعفتها مكانا لها على هذه الشواطئ، فتجتهد في الوصول إلى شواطئ آمنة من وباء التعري، لكنها غالباً تعدم مبتغاها..
علما أن الشواطئ المغربية وإلى الأمس القريب (1960م) كانت في منأى عن وباء الاختلاط والعري الفاحش، فمعظم شواطئ المملكة كان غير مختلطا، إذ خصص جزء منها للرجال وآخر للنساء.
فماذا وقع خلال أقل من 50 سنة؟
ماذا ياترى حدث على مستوى منظومة الأخلاق حتى أصبحت المرأة تمشي في الشارع شبه عارية؟
إن التبرج ظاهرة انحرافية خطيرة على مجتمعنا عانينا منها بعد الاستقلال، ولا يقل خطر هذا الوباء الذي انشر في مجتمعنا انتشار النار في الهشيم عن خطر المخدرات والتدخين والسرقة والفساد عموما.
لكن المثير في الموضوع أن الرأي العام الوطني يتعامل مع القضية و كأن فشو العري الذي فاق مستوى التبرج ليصل إلى درجة العهر، صار هو الأصل والحالة الطبيعية، في حين أضحى كل من يدعو إلى محاربته ومحاصرته عنصرا خطيرا على مجتمع الحداثة والحضارة والتمدن والانفتاح..، يصادر الحريات الشخصية للناس.
يبدو أن الغيرة على دين والعرض والمقدس التي تضبط البواعث وتحدد الأهداف، وترشد السلوك، قد بردت بفعل برودة الإيمان في القلوب، ولم تعد عصمة النساء في أيدي أزواجهن، ولكنها أصبحت في أيدي صانعي الأزياء الغربيين ومروجيها..، هؤلاء الذين أصبح المغرب يمثل بالنسبة لهم وجهة لا تقل أهمية عن أوربا، ومَن يقوم بجولة في شوارع الرباط والبيضاء يكتشف الكم الهائل من دور الأزياء المشهورة عالميا والذي أصبح في تزايد مستمر، علما أن القوة الشرائية للمواطن المغربي متدنية جدا، بحيث يبلغ ثمن بعض المعروضات مُرَتب موظف في أعلى السلالم الإدارية.
إذا فالمستهدف طبقة يرجى أن تلعب دور القدوة والأسوة حتى يمعَن في تغير نمط اللباس عند المواطن المغربي، أما الفقراء فعليهم أن ينبشوا في أكوام الألبسة المستعملة المستوردة “البال” حيث يمكن للفتاة أن تشتري بمبلغ 60 درهما سروالا يبرز عورتها المغلظة وصدرية تنحسر عن سرة وما علا من الوركين وتكشف عن العنق وجزء كبير من الثديين.
وبهذا تتمكن من التشبه بمغنيات الإغراء اللبنانيات التي تقدمهن القناة الثانية ووسائل الإعلام العلمانية كبطلات أصبحن من فرط الترويج لهن المثال المحتذى والأثر المقتفى من طرف بناتنا.
العري في الشوارع والشواطئ مسؤولية من؟!
إن نمط اللباس هو من جملة الحياة الإسلامية المستهدفة من طرف الرأسمالية الغربية التي تنظر إلى المجتمعات الإسلامية على أنها أسواق يجب أن تستوعِب ما تنتجه آلات مصانعها، لهذا وجب من وجهة نظرها إعادة تشكيل أذواق المسلمين.
فمن يا ترى المسؤول عن الآثار الوخيمة لموضات العري والتهتك؟
أليس العري منظرا مخلا بالحياء العام؟
أليسنا في بلد مسلم يحرم فيه أن تكشف العورات في الشوارع والشواطئ؟
إن الوزارة المكلفة بالشؤون الإسلامية تتحمل المسؤولية أمام الله وأمام من يتضرر أبناؤه وبناته من هذا العري الفاضح، فكيف يمكن لمن يريد أن يربي بناته وأبنائه على العفة والحياء أن يتعايش مع واقع غلب عليه العري المهيج للغرائز والشهوات، والمزين لاقتراف الرذائل والموبقات؟ مما يجعل من يريد تطبيق الشرع في نفسه وأولاده يعيش صراعا مريرا، ومعاناة كبيرة.
وللأسف الشديد أن العري بصفة عامة وعري الشواطئ وما يصاحبه من تناول للخمور والمخدرات بصفة خاصة يتم في أماكن عمومية توفّر لها الحماية من طرف مختلف مؤسسات البلاد بل تساهم فيها عبر الأنشطة التي تسمى تزيينا ثقافية، كما توفر لها مجالس المدن والبلديات الظروف الملائمة حتى يتم فيها الاستمتاع بما حرم الله على الوجه الذي يريده من استزلتهم شياطين الإنس والجن.
أليس هذا العري المنتشر في الشوارع والمدارس والمسابح والشواطئ، والذي تعمل وسائل الإعلام العلمانية جاهدة على تطبيعه يخالف في الصميم المذهب المالكي، واسمع إلى ما يقول القاضي عياض رحمه الله في ترتيب المدارك (3/86) في ترجمة أبي علي الحسن بن نصر السوسي المالكي: “وكان يأمر أن يمشى على شاطئ البحر والمواضع الخالية، فإن وجدوا رجلا مع غلام حَدَث أتوا بهما إليه، فإن لم تقم بينة أنه ابنه أو أخوه، وإلا عاقبه”.
فماذا سيكون رأي القاضي عياض لو رأى شواطئنا الماجنة، فرأى نساء ورجالا عراة مستلقون تحت أشعة الشمس..غافلين عن مستقبل قريب لا ينفع الإنسان فيه مال ولا بنون، يحاسب فيه عن شبابه فيما أبلاه..؟
إن المسؤولية عن المستوى البهيمي الذي وصلنا إليه من سفور وعري فاق تبرج الجاهلية الأولى ملقاة على عاتق كل المسؤولين في البلاد، فلا حماية للأعراض دون ستر وعفة وحياء فإن شجعنا أسباب الفاحشة والفجور فلا معنى لتجريمنا للخيانة الزوجية والزنا واللواط.
ألا يمكن أن نستمتع بأشعة الشمس ومياه البحر ورمال الشاطئ دون أن نخالف المعلوم من الدين بالضرورة؟