فترة ما بعد محاولة الانقلاب هي فترة “طحن العظام” بين الولايات المتحدة وأتباعها من جانب، وتركيا أردوغان وحزبه من جانب آخر، وسينتج عن ذلك تغيرات استراتيجية خطيرة، منها احتمال أن يتجه أردوغان بتركيا شرقا وشمالا بدلا من الغرب، مما سيكون له تأثر كبير على مسرح السياسة العالمية.
أجاب الباحث الامريكي F.William Engdal عن هذا السؤال فقال: “إن محاولة الانقلاب كانت نتيجة تغيير دراماتيكي في سياسة أردوغان والتي سوف تُحدث تغييراً جيوسياسياً عميقاً وأهمها إعادة التقارب التركي الروسي”.
وأضاف إن من قام بالحركة الانقلابية هم عناصر موالية لفتح الله غولن والمعروف بشكل قطعي بأنه أحد عناصر وكالة المخابرات المركزية CIA.
ويقول “وليم إنجدال”: “أحد جوانب التقارب الروسي التركي كان أن يتوقف أردوغان عن محاولة الإطاحة بنظام الأسد في سوريا، وهذا سيحدث تغيرات عميقة في التحالفات المتشابكة الشرق أوسطية.
إن حلف الناتو الذي ينتمي إليه أردوغان هو جزء من منظومة عالمية وصفها جورج سوروس في كتابه “أزمة الرأسمالية العالمية” وهي بطبيعتها معادية لأي نظام إسلامي أو غير إسلامي يتناقض مع فلسفتها الطفيلية لافتراس الشعوب الأخرى
في الشهور الأخيرة بدأت العلاقات التركية الأمريكية بالتدهور خصوصا بعد أن أصبح واضحا ميل الولايات المتحدة إلى أكراد سوريا وتسليحهم، بل ووضع إشارات مليشياتهم على ألبسة القوات الخاصة الأمريكية المحاربة بجانبهم وخصوصا أن تركيا تعتبرهم امتدادا لحزب العمال الكردستاني التي تعتبره تركيا و(أمريكا) حزباً إرهابيا.
وبناء عليه أصبحت تركيا تطالب (كما روسيا) بوحدة الأراضي السورية وذلك منعا لقيام كيان كردي في شمالي سوريا على حدود تركيا الجنوبية. وهذا أحد التغيرات الهامة في مسرح المنطقة العربية.
إن فترة ما بعد محاولة الانقلاب هي فترة “طحن العظام” بين الولايات المتحدة وأتباعها من جانب وتركيا أردوغان وحزبه من جانب آخر. وسينتج عن ذلك تغيرات استراتيجية خطيرة، منها احتمال أن يتجه أردوغان بتركيا شرقا وشمالا بدلا من الغرب، مما سيكون له تأثر كبير على مسرح السياسة العالمية.
أما تهديد الاتحاد الأوروبي لأردوغان بعدم القسوة والتمادي في اجتثاث خصومه وتطبيق عقوبة الإعدام مما سيؤثر على إمكانية انضمام تركيا إلى الاتحاد فالاحتمال الأكبر أن يكون قد توصل أردوغان إلى أن حلم الانضمام للاتحاد الأوروبي ما هو إلا سراب. وقد يكون من المفيد أن نؤكد أن مثل ذلك الاحتمال ليس ضئيلاً فقط لكنه معدوم.
لو أراد رجب طيب أردوغان وحزبه البقاء في معركة “تحطيم العظام” القادمة فعليه أن الانتقال من مرحلة نظام هجين مهادن إلى نظام ثوري، وإعادة هيكلة سياسات وتحالفات تركيا بالاتجاه الصحيح (وهو شمالاً وشرقاً) فإن لذلك تأثيرات دراماتيكية على المشهد المحلي والعالمي.
إن التزاوج بين بعض الحركات الإسلامية والرأسمالية الأمريكية في الفترة الماضية محكوم عليه بالفشل من بدايته. وأنه يتم استعمال الحركات الاسلامية كحركات الإخوان المسلمين بل وحزب العدالة التركي مرحليا.
لكن الاستراتيجية الأمريكية قد تغيرت، ففي العقد الأول من القرن الواحد والعشرين قبلت الولايات المتحدة أن تصل الحركات الإسلامية كجماعة الإخوان المسلمين وحزب العدالة والتنمية التركي إلى الحكم ما داموا قابلين بالأحلاف العسكرية الغربية و”إسرائيل”، لكن هذه السياسة قد تغيرت إلى رفض كل الحركات الإسلامية كائنا لونها ما يكون.
هناك ما اسمه socioeconomic order وهو تزاوج النظام الاجتماعي مع النظام الاقتصادي. . إن حلف الناتو الذي ينتمي إليه أردوغان هو جزء من منظومة عالمية وصفها جورج سوروس في كتابه “أزمة الرأسمالية العالمية” وهي بطبيعتها معادية لأي نظام إسلامي أو غير إسلامي يتناقض مع فلسفتها الطفيلية لافتراس الشعوب الأخرى.
إن دور وموقع تركيا المحوري بين أوروبا وروسيا وكونها منطقة عازلة بين أوروبا وبلدان الشرق الأوسط الملتهب، كذلك كون تركيا هي ممر لأنابيب بترول دول بحر قزوين، وكونها أرض أنابيب الغاز المستقبلية الروسية إلى أوروبا، وكونها تمتلك أحد أكبر الجيوش في العالم، مما يوصل إلى نتيجة أن الولايات المتحدة لن تتخلى عنها بسهولة، وأن نتيجة المعركة القادمة سيكون لها انعكاسات عالمية. (تداعيات ما بعد محاولة الانقلاب في تركيا.. تركياً وعربياً وعالمياً؛ د. عبد الحي زلوم).