في 13 من شوال 1440هـ الموافق لـ17 من يونيو 2019 توفي أول رئيس منتخب لدولة مصر العربية، وقد خلف خبر وفاته رجّة في العالم، وضجة على مواقع التواصل الاجتماعي تفاعلا مع هذا الرجل البطل، الذي عاش شامخا ومات شامخا أمام زبانية الاستبداد ومحاكم الظلم.
والملاحظ أن ما وقع لرئيس مصر السابق محمد مرسي يشبه في أغلب مناحيه ما سبق أن وقع مع سيد قطب رحمهما الله جميعا، حيث تداعت عليهما أجهزة المخابرات والشرطة والسلطة الدينية المزورة العميلة، التي تعطي المصداقية للاستبداد، والنخب “المثقفة” التي تعيش في حذاء العسكر.
فالاستبداد يحتاج دوما إلى تبييض قراراته بتوظيف بعض الوجوه المعروفة.
وفي هذا السياق يحكي فارس المنابر الخطيب الشهير الشيخ عبد الحميد كشك -رحمه الله- قصة وقعت له مع جهاز مخابرات أمن الدولة المصري وتتعلق بقضية سيد قطب لما مان سجينا لدى نفس العسكر في مصر وأرادوا التخلص منه لكن لم يجدوا له قضية.
قال الشيخ كشك رحمك الله:
في سنة 1966 فوجئت باثنين يطرقان على باب البيت وقت الظهير، وفتحت الباب وجلست معهما وعرّفاني بأنفسهما، وقالا بأنهما يعملان في مكتب المشير، أي أنهما من رجال المخابرات.
فسألتهما: وماذا يريدان مني؟ فقالا لي: إنا جئناك من قِبل الزعيم والمشير، وإنهم يطلبون منك كلمة واحدة تقولها يوم الجمعة للمصلين، وبعدها سترى المنح والدرجات والمكافآت والمنصب المرموق. وجلست أستمع، وكان اليوم يوم خميس، وأنا أهيئ نفسي للوقوف بين يدي الله يوم الجمعة.
وقلت: وما تكون تلك الكلمة؟
فقالا لي: “أن تعلن على المصلين أن سيد قطب يستحق الإعدام والقتل”.
فسألتهما: وإذا لم أفعل ماذا تكون النتيجة؟
قالا لي: أنت تعلم النتيجة.
قلت هما: هل النتيجة أن أذهب إلى الجهنم؟
فقالا: نحن لا نملك جهنم، إنما نملك السجون.
قلت: والله لا أفعل، وسأل الله قائلا: “رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إليه”.
مضى أسبوع على الحادثة، ويوم الخميس الذى بعده، كان البيت يُفَتش في الساعة الثانية ولم يجد المفتش إلا مصحفًا، ما رأى شيئا يستطيع أن يحاكم به الشيخ، إنما وجد مصحفًا فقط، فلما امتلأ غيظًا رمى المصحف في الشارع، فقال له الشيخ كشك: إنك لا ترمي كتابي أنا، إنما ترمي كتاب من لا يغفل ولا ينام.
فاعتقل الشيخ كشك عقب ذلك، لأنه رفض أن توظفه تلك الأجهزة للنيل من شخص بريء أعدِم ظلما على يد الطاغية رئيس العسكر جمال عبد الناصر.
وها هو الرئيس المدني المنتخب محمد مرسي يسلم نفسه ليموت هو الآخر في سجون الاحتلال على يد أجهزة رئيس العسكر عبد الفتاح السيسي، الذي انقلب على الشرعية، وأباد آلاف المصريين، وزج بخيرتهم إلى مقاصل الإعدام وغياهب السجون، مستعينا في ذلك بجوقة من الإعلاميين والفنانين وحفنة من “رجال الدين” الذين بيضوا قرارته السوداء بالزور، وأعطوه الضوء الأخضر لقتل الأبرياء العزل.
وجه شبه آخر بين القصتين وهو أن كلا الرجلين الشجاعين سيد ومرسي دخلا سجن العسكر مريضين، وبعد أن حبسا في السجن الانفرادي لسنوات، عذبا بمنع الدواء عنهما.
لكن هناك اختلاف في نهاية قصة كلٍّ منهما، فسيد قطب مات واقفا وحبل المشنقة على عنقه، أما الرئيس الدكتور محمد مرسي فقد كان يعاني من داء السكري والقلب والكلى، فمنعوا عنه الدواء لسنوات ومنعوا عنه الطبيب وزيارة أقاربه وعزلوه عن الحياة حتى فارقها حسب زعمهم داخل قاعة المحكمة وهو يحاكم بتهمة “التخابر”!
إن قضية موت مرسي بهذه الطريقة، كشفت مكنونات صدور بعض الخبثاء الفاسدين من المنتسبين للمشيخة والعلم، حيث خرج بعض ناشطي التيار المدخلي المتطرف يطبلون ويهللون بهلاك “الخارجي الإرهابي المارق”، ومنعوا من التعزية في المبتدع “مرسي”، بل من المنتسبين إلى هذا التيار من اعتبر مجرد التعاطف مع وفاته انحرافا في العقيدة! والعجيب أن العلمانيين والدول الغربية والعربية لا تصنف هذا التيار تيارا متطرفا، رغم ولوغه في دماء الأبرياء في ليبيا.
قد لا يتفق الواحد منا مع جماعة “الإخوان المسلمون” أو مع غيرها من الجماعات، لكن ذلك لا يسوغ له بحال أن يصير ألعوبة في يد الاستبداد يوظفه لطعن الصالحين في ظهورهم، ممن بذلوا حياتهم وأموالهم في سبيل الله ومن أجل صالح شعوبهم ودولهم وأوطانهم.