من لم يعرف السفينة المقصودة في العنوان فهي السفينة التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المشهور عند أهل العلم وطلبته حيث يقول صلى الله عليه وسلم من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما: “مثل القائم على حدود الله والواقع فيها، كمثل قوم استهموا على سفينة، فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم، فقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقا ولم نؤذ من فوقنا، فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا، وإن أخذوا على أيديهم نجوا، ونجوا جميعا” رواه البخاري.
فنحن نعيش في هذه الأيام مطالب ممتدة لعقود خلت من أجل رفع التجريم عن الممارسات الجنسية من زنا ولواط وسحاق وخيانة زوجية وإجهاض…، تتبنى هذه المطالب فئات من المجتمع تدعي العلمانية والحداثة، وتلح على ذلك لكي تصير المطالب سلوكا مجتمعيا، ويؤزون الدولة أزا من أجل أن ترفع عنها التجريم والعقوبات من قوانينها الجنائية.
هذه المطالب لا يخفى على عاقل آثارها السيئة والخطيرة على المجتمع وعلى تماسكه وأمنه واستقراره واقتصاده.
وواقع الوطن والأوطان العربية خاصة غارق في التخلف والجهل وضعف التنمية في جميع مجالاتها الصحية والتعليمية والاقتصادية والخدماتية والسياسية، وفي جانب الدخل الفردي والظروف المعيشية بشكل كبير، وما تعانيه الدول العربية وبلدنا المغرب أمر يفوق القدرة على المواجهة وخاصة في جانبها المادي والتدبيري.
وإذا نظرنا في المشاكل المرتبطة بما يطالب به القوم سنجدها كارثية بامتياز، من حيث ارتفاع أعداد “الأمهات العازبات” وأطفال الزنا والمتخلى عنهم، وأعداد المصابين بالسيدا والأمراض المنقولة جنسيا، وجرائم الإجهاض والخيانة والاغتصاب والتحرش والاستغلال الجنسي للأطفال، وتبعات كل ذلك وتكلفته المادية تفوق قدرة الدولة واستيعاب المجتمع.
كل هذه الآثار لم تؤثر في زمرة بني علمان ليقترحوا حلولا جذرية تقطع دابر هذه التبعات والمخاطر، وتقضي عل الأسباب والوسائل. لكن الذي حصل هو العكس إذ يطالبون بإطلاق الحبل الغارب وبطريقة فجة وفكر منتكس ونفس ملأها حب الخبث وعشق الشر، وهنا قضية السفينة وأصحابها، وإن كان أصحاب فكرة خرقها لهم نية حسنة ولا يحملون أدنى فكرة أو رغبة في إغراق الجميع. بينما القوم عندنا يرونها تغرق فعوض الإنقاذ، واقتراح مشاريع الإنقاذ وأفكار الإنقاذ، يأتون بما يزيد في الغرق ويقطع احتمال النجاة.
فهل الدعوة إلى الزنا والإباحية سيرفع من جودة التعليم.
وهل سيحسن من خدمات الصحة.
وهل سيسهم في التنمية المستدامة.
وهل إباحة اللواط والخيانة الزوجية سيجوِّد من البنية التحتية والخدمات العمومية.
وهل بإباحة الإجهاض سينتعش الاقتصاد، وتتفتق المواهب، وتقوى الترسانة العسكرية، وتخترع الآلات، وتصنع الغواصات، وترسل الأقمار الاصطناعية.
أجيبونا وأنتم الذين جل حديثكم عن العلم والتكنولوجيا والتطور الغربي.
فهل تطور القوم لأنهم أشاعوا الزنا وشرعوا للإباحية. وإن كانوا اليوم يعانون من ويلاتها وتبعاتها التي حولت الحياة إلى جحيم رغم تطورها تقنيا وعلميا وماديا.
فأين عقولكم؟ فالعاقل من يتعظ ويعتبر من تجارب الآخرين.
فلذلك رجاء دعوا عنكم السفينة فهي في حاجة إلى من ينقذها قبل فوات الأوان لا من يزيد في إغراقها.
أما أنتم أيها العقلاء والشرفاء من علماء هذا الوطن ومفكريه وسياسييه قوموا قومة شريفة لتأخذوا على أيدي هؤلاء حتى ننجوا جميعا، وإلا فإن الغرق مصيرنا جميعا.
حفظ الله الوطن وأهله.