يقول مقدم كتاب “موقف الأمة المغربية من الحماية الفرنسية” محمد العربي الزكاري سكرتير “حركة الوحدة المغربية”، الصادر في فبراير 1946: “فهذه خمسة بحوث مغربية وأجنبية عن نظام الحماية الفرنسية بالمغرب، جمعناها لأول مرة في سجل واحد، لتعطي للقارئ العربي والباحث الأجنبي صورة وافية عن صك الحماية الفرنسية المفروضة وعن قيمته الحقيقية من الوجهة النظرية ومدى تطبيقه من الوجهة العملية وعن موقف الأمة المغربية منه بدء وختاما.
والبحثان الأول والأخير من هذه البحوث قد حررهما أستاذ الوطنية وزعيم “حركة الوحدة المغربية” الشيخ العلامة سيدي محمد المكي الناصري، والبحث الرابع قد حرره ونشره باللغة الفرنسية زعيم “الحركة القومية” الأستاذ الوطني الكبير سيدي محمد بن الحسن الوزاني، ثم بعد اهتمام حركتنا بترجمته وتعريبه قام الأستاذ الناصري بتهذيبه وتبويبه، وأضاف إليه من عنده عدة زيادات ومستندات فأصبح البحث المذكور بسبب ذلك مشتركا بين الزميلين الكبيرين، ملائما لظروف المغرب الحالية 1946 ومماشيا لمقتضيات السياسة الدولية الجديدة.
أما المبحث الثاني فهو يمثل وجهة النظر الرسمية لدى الإقامة العامة الفرنسية عن صك الحماية المفروضة، ويبين كيف كان يفسرها الفرنسيون المسؤولون بعد مرور عشر سنوات من إعلانها وفرضها.
وأما المبحث الثالث فهو عبارة عن تقرير سري خطير رفعه أول مقيم عام لفرنسا بالمغرب المرشال ليوطي عن وصف الحماية ومدى تطبيقها.
كلا البحثين الثاني والثالث قام بترجمتهما رأسا من الفرنسية للعربية فضيلة الأستاذ الناصري.
وهذه البحوث نشرت لأول مرة في جريدة (الوحدة المغربية) ما عدا البحث الأول فقد نشر في مجلة السلام الصادرة بتطوان بتوقيع مستعار للناصري هو أبو الفداء.
هذه البحوث المهمة تنشر الآن في مجموعة منقحة مبوبة تجعل المغاربة وغيرهم على علم بأسرار الحماية وأهدافها ما بطن منها وما ظهر” (انتهى).
قراءة في مباحث الكتاب
المبحث الأول تحت عنوان: “معاهدة الحماية كما يرويها الفرنسيون”، يستعرض هذا المبحث الاتفاق الفرنسي الإنجليزي حول المغرب سنة 1904، والاتفاق الفرنسي الألماني سنة 1911، ودخول جزء من القوات الفرنسية التي كانت مرابطة في الشاوية لفاس سنة 1911 لحماية السلطان بطلب منه كما راج وقتها، ثم ما تبع ذلك من تبادل للرسائل في الموضوع بين السلطان والفرنسيين حول جلائها عن فاس، وكيف بدأ الحديث عن معاهدة الحماية وتوقيعها، وقد تساءل الكاتب عن النص الموقع، هل هو النص الفرنسي أم العربي المترجم عنه؟ أم عن المعدل بعدما اطلع السلطان عليه وعدله؟ مترجما النص الفرنسي كما جاء في الكتابات الفرنسية، مستعرضا مناقشة بنود الحماية في الجمعية الفرنسية في أيام الجمع 14 و21 و28 يونيو وصودق عليها في يوم الإثنين فاتح يوليوز 1912، وقد جاء في تقرير مجلس الشيوخ مناقشته للمسألة الدينية المسيحية في المغرب وجنسية المبشرين الكاثولكيين في جلسة 11 يوليوز، و”تنظيم الديانة الكاثوليكية بمنطقة الحماية الفرنسية”، و”تجديد علاقات الجمهورية مع الفاتكان”، وقد ناقش المكي الناصري مصطلح الحماية، وهل هي ترجمة protectorat أم protection مثلما فعل القانونيون الفرنسيون “باريط” و”كولفين” و”ديسبانيي”، وذلك لإبراز محاذير تطبيقاتها لاحقا، وهو ما تم بالفعل، حيث تم إرباك الفرنسيين قانونيا في المحافل الدولية من قبل الفقهاء المغاربة وزعماء الأحزاب الذين اعتمدوا المترجمات المقدمة في هذا الكتاب.
وهو ما سيتضح من خلال مبحث: “الحماية ومبادئها.. وجهة النظر الرسمية في الحماية الفرنسية” من خلال ترجمة الناصري لكتاب “عشر سنوات من الحماية الفرنسية”، وكذلك المبحث الثالث الذي يصف فيه المرشال ليوطي “الحماية كما طبقتها الحكومة الفرنسية” في تقرير سري له انتهى إلى أن المغرب مختلف عن الجزائر ومصر وباقي المستعمرات، “لأننا وجدنا بالمغرب دولة وشعبا وأن أكثر المؤسسات المغربية كانت عند وصولنا ما تزال قائمة”، مقترحا “إعطاء النخبة المغربية وسائل للتطور في دائرة التقاليد، وإرضائها في مطامحها، والقيام إزاءها مقام الوصي لبقاء ارتباط مصالحها بنا، لتخدم مصالحنا، لأنه لا يتصور بقاء استيلائنا على البلاد اعتمادا على قوتنا لمدة طويلة”.
أما المبحث الرابع فقد خصص لدراسة مستفيضة عن “الحماية الفرنسية بالمغرب.. تاريخها وطبيعتها وأساليب تطبيقها”، مردفا له بمبحث حول “الأهداف الحقيقية لنظام الحماية الفرنسية“، معتبرا أن صك الحماية باطل من الأساس لقيامه على سوء النية من أول يوم لأن السلطان وقعه تحت الضغط، وأنه مبني على سياسة الجاسوسية وإخلاف العهود المقدمة للسلطان مولاي يوسف في بداية الحرب العالمية الأولى، وقيامها بإدارة مباشرة بعد الحرب، وموقف الأمة المغربية من كل تلك الخروقات، مما جعل المغرب يتطلع لاستعادة سياته واسترجاع استقلاله، فأعلن ممثلوه في 11 يناير 1944 وثيقة المطالبة بالاستقلال، واسترجاع حريته واستقلاله في دائرة ميثاق الأطلنطي والأمم المتحدة وميثاق جامعة الدول العربية.
والملاحظ أن هذه التصانيف الهامة التي انفرد بها الشيخ المكي الناصري كانت وثائق هامة في يد الدبلوماسية الوطنية الحزبية في مواجهة الحكومة الفرنسية في المحافل الدولية والمؤتمرات المناهضة للاستعمار، بالرغم من أن الكتابات اللاحقة بعد استقلال المغرب لم تهتم بصاحبها كما اهتمت بها، ونسي القراء والباحثون الكاتب المترجم، بل حتى الذين كتبوا عنه لم يثبتوا أنه كان مترجما لأهم النصوص التاريخية للاستعمار الفرنسي للمغرب، بل سكتوا إما لجهل أو لتحيز على الكتابات السياسية المؤسسة للحركة الوطنية التي قام بها الشيخ المكي منذ الثلاثينيات، سواء على شكل مقالات أو تقارير مرفوعة لمؤتمرات دولية أو كتب في الموضوع، مما يجعل أمر التذكير بمجهوداته من الواجبات على من يهتم بالتأريخ للحركة الوطنية والنهضة الثقافية في المغرب في القرن الماضي.
والله يتولى الصالحين.