في حدث مأساوي جديد، أقدم رجل سبعيني قبل أسبوع، على وضع حد لحياة شاب في الثلاثين من عمره، بدافع الانتقام لابنته التي تعرضت مرارا للتحرش الجنسي من طرف الهالك.
وكما وقع في حوادث سابقة مشابهة، فالمتحرش انتهى بها المطاف إلى المقبرة.. والمدافع عن شرفه كان مصيره السجن!
وفق إحصائيات صدرت عن موقع World Population Review في سنة 2020، يصنف المغرب الثاني عربيا، في معدل حالات الاغتصاب والتحرش الجنسي.
وقد كشفت مؤسسة “الطفولة العالمية”، التي يوجد مقرها بالولايات المتحدة الأمريكية، أن المغرب حصل على ترتيب سيئ في الاعتداءات الجنسية على الأطفال، باحتلاله الرتبة 34 ضمن 60 دولة عبر العالم.
فالتحرش، كسلوك منحرف، بات يسجل بالمغرب أرقاما مهولة، تنذر بوضع خطير يهدد الفرد والأسرة والمجتمع.
هناك دراسات عديدة حاولت مقاربة هذا الموضوع والوقوف على أسبابه، وتقديم حلول للحد من ارتفاع مؤشراته، ومعظمها خلص إلى أن أدوات الزجر المعمول بها قانونيا، بالرغم من أهميتها، لكن فاعليتها تبقى محدودة جدا.
إن واقعنا اليوم يدفع، وبشكل كبير، نحو التطبيع مع المادة والجسد، وإقصاء، بل محاربة، الأخلاق والقيم، مثل الحياء والعفة وتقوية الوازع الديني وما شابه، وهذا أمر يمكن لكل متابع أن يراه رأي العين في ميادين الثقافة والفكر والفن والسينما والإعلام وبعض مقررات التعليم.
ومع ارتفاع معدلات سن الزواج، وتوسع دائرة البطالة، وضعف الوازع الديني والخلقي، وعزف الإعلام على وتر الجسد، سواء بالنسبة للمرأة أو الرجل، ماذا ننتظر؟
المخرجات الطبيعية هي الأرقام الصادمة التي تطالعنا بها المؤسسات الدولية والوطنية حول هذا الانحراف الخطير، الذي يتسبب في ارتفاع معدلات الجريمة، وتفكك الأسر، ويكلف الدولة غاليا على المستوى الاجتماعي والأمني والصحي..
فمن زرع الشوك لا يجني العنب، ومشكلتنا الأساسية هي سؤال المرجعية، إذ أغلب من يتحكم في القرار السياسي ومن يملك النفوذ في الحقل الإعلامي، ينظر لهذا الانحراف من زاوية لا دينية، ويعدّ الضوابط والحدود الشرعية التي وضعتها الشريعة الإسلامية لضبط سلوك الأفراد والمجتمعات، رجعية وظلامية، ومكبلا للحريات الفردية.
كما أن الطرح الذي يتم تسويقه هو أن المرأة هي الضحية فقط، علما أن جريمة التحرش يتقاسمها الطرفان، فكم من رجل وقع ضحية تحرش المرأة، وكم من عفيفة لم تسلم من الذئاب البشرية.
خلاصة القول أننا نحتاج إلى مقاربة موضوع التحرش بعيدا عن سلطة الثقافة الغالبة، التي تسببت بالأساس في هذا الانحراف، فدول الغرب المتقدمة ماديا، على الرغم من ارتفاع معدلات الوعي والتعليم والرفاهية و”التحضر”، إلا أن مؤشر منحنى الاغتصاب لازال في ارتفاع مستمر بل حاد.
فنحن بحاجة اليوم إلى إصلاح الفرد انطلاقا من مرجعيتنا باعتبارنا مسلمين، فمن لم يوقن أن الله يراه وأنه مطلع على صغير عمله وكبيره، وأنه سيسأل يوم القيامة ويحاسب، فهذا لا ينتظر منه بحال إن نزغته الشهوة أن يقول “معاذ الله”، بل سيستعمل كل الأساليب للوصول إلى مبتغاه، لأنه وباختصار غُيِّب لديه خوف الله والوقوف عند حدوده، ولقن بأن تصريف الشهوة حرية فردية.