الفطرة الإيمانية: شعور مغروس في النفس الإنسانية بوجود الله تبارك وتعالى وهيمنته، وأصله الميثاق الذي أخذه الله تعالى على عباده في عالم الذر:
قال الله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آَدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ} [الأعراف/172].
وللعلماء في تفسير هذه الآية مسلكان:
الأول: تفسيرها بالأخبار المروية في إخراج ذرية آدم من صلبه وتكليمه تعالى إياهم ونطقهم ثم إعادتهم إلى صلب أبيهم وهي كثيرة؛ قال الشيخ المقبلي: “ولا يبعد دعوى التواتر المعنوي في الأحاديث والروايات في ذلك”اهـ.
ومن تلك الأحاديث ما رواه أحمد وغيره عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “أخذ الله تبارك وتعالى الميثاق من ظهر آدم بنعمان ـ يعني بعرفة ـ فأخرج من صلبه كل ذرية ذرأها فنثرهم بين يديه كالذر ثم كلمهم قبلا قال ألست بربكم” قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين ..”)[1]الصحيحة 1623).
وبهذا التفسير قال جماعة من السلف والأئمة.
الثاني: قال أصحابه إن المراد بهذا الإشهاد فطرهم على التوحيد؛
قال الجشعي[2]: أي أشهدهم على أنفسهم بما ركب فيهم من دلائل وحدانيته وعجائب خلقته وغرائب صنعته من أعضاء سوية وحواس مدركة وجوارح ظاهرة وأعصاب وعروق وغير ذلك مما يعلمه من تفكر فيه وكلها تدل عليه وعلى صفاته ووحدانيته؛ فبالإشهاد بالأدلة صار كأنه أشهدهم بقوله”اهـ.
وقد استدلوا بمثل قوله صلى الله عليه وسلم: “ما من مولود إلا ويولد على الفطرة” [متفق عليه].
وقد قال بهذا القول جماعة من الأئمة؛ كابن القيم وابن كثير، وردوا القول الأول وقالوا لا علاقة للآية بتلك الأحاديث التي ليس فيها إلا الإخراج وجعل الذرية قسمين قسم إلى الجنة وقسم إلى النار وأما الأحاديث التي فيها الإشهاد فهي متكلم فيها وإن صحت فهي موقوفة على ابن عباس وعمر.
ويظهر -والله أعلم- أنه يمكن الجمع بين الرأيين في تفسير الآية؛ فربوبية الله تعالى مركوزة معرفتها في القلوب وليس الإخبار بأخذ الميثاق إلا مؤكدا لها ومبينا لأصلها.
—————————————-
[1] قال ابن الأنباري كما في كتاب “الروح” لابن القيم: مذهب أهل الحديث وكبراء أهل العلم في هذه الآية: أن الله أخرج ذرية آدم من صلبه وصلب أولاده وهم في صور الذر فأخذ عليهم الميثاق أنه خالقهم وأنهم مصنوعون فاعترفوا …. وقبلوا ذلك بعد أن ركب فيهم عقولا عرفوا بها ما عرض عليهم كما جعل للجبل عقلا حين خوطب وكما فعل ذلك للبعير لما سجد والنخلة حتى سمعت وانقادت حين دعيت.
[2] تفسير القاسمي 7/293