أختي لقد آن الأوان أن… عبد المغيث موحد

..أخيّتي لسنا في حاجة للإفاضة في سرد ذلك الغيض من الفيض عن شخصيتك قبل الإسلام، وما كانت تعانيه بنت جنسك من تكالب وإعْنات، ومن تدنِّي وتضييق، لسنا في حاجة للكلام عن الوأد وعن الأنكحة الفاسدة الظالمة التي هدمها سيف الحق سف الإسلام، لسنا في حاجة إلى ذكر أو تصوير ما كان يعتري رب الأسرة من ضيق واكتئاب حين يبشر بولادتك “وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدّاً وَهُوَ كَظِيمٌ”.
لسنا في حاجة إلى التوسع في سرد وضعك في ظل الفكر الكنسي وفلسفة الرهبان والمطارنة فهذا قِدِّيسُهم “امبروز” يقول: “تلك التي لا تؤمن إنما هي امرأة، ويجب أن تصنف مع جنسها الأنثوي! أما تلك التي تؤمن -أي تترهب- فهي تتقدم نحو الرجولة الكاملة وآنذاك تتخلى عن اسم جنسها الأنثوي وغوايات الشباب وثرثرة العجائز”.
لسنا في حاجة إلى كل ذلك وقد علمنا من نصوص الفرقان وسنة سيد الثقلين أن الإسلام قد جبَّ ما قبله، فاندرست تحت وميض صارمه المسلول صنوف من الجور وألوان من الشطط كانت تمارس على جنسك بامتياز ذكوري فريد، سواء عند العرب أو عند غيرهم من شعوب الأرض.

مرضعة بغير حليب
لسنا في حاجة إلى التفصيل في كل ذلك وقد جاء الإسلام ليقرر لك مكانة شريفة، ومنزلة كريمة، وليحملك مسؤوليات جسام، بدءً من قعر البيت، وانتهاء بطلب المشاركة الجادة في دروب الحياة وانشغلاتها في نطاق تحُفّه تعاليم الإسلام السمحة من عفاف وطهر.
شقيقتي، لسنا في حاجة للكلام عن الوأد الذي مارسه ذكران الجاهلية، ونحن نرى رأي العين أنك اليوم وأنت الراشدة المتعلمة تمارسينه بنوع من السادية على نفسك، فبعدما كانت يد السكارى تدسك وأنت رضيعة تحت التراب، فها أنت اليوم مُرضعة بغير حليب تمارسين الوأد باسم المدنية والتزاماتها المزيفة، فتقبعين داخل قلاع تحت أرضية معروفة عند كائنات الظلام بالعلب الليلية، ترقصين عارية تبيعين البسمة لوطاويط الظلام التي تنوء بأقذار من الانحراف والسقامة الخليقة، فشتان بين تلك البريئة التي قال في حقها سبحانه وتعالى: “وَإِذَا الْمَوْؤُودَةُ سُئِلَتْ، بِأَيِّ ذَنبٍ قُتِلَتْ” وبينك أنت أيتها المكلفة الأميرة على نفسها التي اختارت باسم الحرية والمساواة والحداثة أن تنسلخ عن كل ما يمت للحياء والمروءة بصلة ونسب، بدعوى أن ذلك قد تجاوزته مستلزمات الحياة في ظل عصر النهضة وعولمة الأخلاق، فما أبين ذلك الأمس الذي كنت تساقين فيه على مَكْرهة منك لتباعين في سوق النخاسة، عن هذا اليوم الذي تنافحين فيه جادة وتدافعين بإرادة واعية، وصفة واهية، وقصد مسؤول، غايتك إعادة صياغة عقود هذه السوق من بيع وشراء ومعارضة غبن، فصرت وبإذن منك بضاعة كلأٍ لكل حاطب ليل وراتع مغتصب.

نأسف لكل مسخ أصاب ظاهرك
أخيتي، إن كنا في غنى عن التفصيل معك فيما قد سلف لأسباب ذكرناها مجملة، فإننا وبدافع غيرتنا عن تعاليم هذا الدين السمحة نعلنها وبثقة راسية ثابتة ونحن نواجه ذلك الصنف من الإناث والذكور، الذين حملوا شارة العمادة لخوض معركة قصف الموروث الظلامي -بزعمهم- وضرب كل ما له صلة بالستر والعفاف نعلنها لنقول لهم ولمن وراءهم ولمن يريد أن يحذو حذوهم أن ليس في الإسلام ثغرات مخوفة نخشى نحن الذين قلنا سمعنا وأطعنا أن يتسلل لنا منها سهم مسموم، أو ريح سموم، بل إننا لنعلم علم اليقين أن حصن هذا الدين كيان غير منقوص وبنيان مرصوص, ومع علمنا هذا لا نملك إلا أن نأسف لكل مسخ أصاب ظاهرك، وخسف باطنك، وهو مسخ وخسف أصابك خارج ذلك الحصن الحصين، أصابك وأنت في حصن ما يسمونه المدنية الحديثة، أصابك وقد وقعت ضحية صنف من بني جلدتنا خدام الاستعمار الغربي، علمانيي الفكر والسيرة، صلتهم بالله منقطعة، وطموحهم في ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر عدمٌ صفر، أمساخ رجال يشربون الجعة ويقترفون الخنا، يتقعقعون ويفرقعون، غايتهم توهين الإسلام وضرب صحوة حاضرة وإظلام نور مستقبلية، وهم من خلال أجندتهم هذه كانوا ولا يزالون يخالون ويعتقدون أن قضية المرأة ثغرة في تعاليم الإسلام يمكن النفاذ منها، أو التسلل لواذا من خلالها لزعزعة عقيدة المسلمين، وردِّهم إلى مشروع الإخلاد إلى الأرض وشريعة اتباع الهوى واستشراف مردة الشياطين من الجن والإنس، لكننا وكالعادة نبشرهم -وقد أوشكت نارهم أن تخمد- أن حيلهم من دخان وبضاعتهم بضاعة كساد وخسران، والإسلام مهما بدا للأجفان المغلقة غريبا، فعظمته في غربته وقوته الضاربة في دعوته إلى الخير إلى إخراج الناس من عبودية البشر والسجود عند القبر وللقمر إلى عبودية رب الأرباب وإقامة منهج التوحيد الذي به تستقيم الحياة وتنال الفضائل حالا ومآلا.

أي فكر هذا الذي أغشى بصرك
أخيتي، يعز علي أنك قبلت بالدور الذي أرادوه لك والمشروع الذي تبنوه لك، مع أمانيهم ورجائهم الكبير في أن تعيشين في ظله وللأبد دور الضحية ورمز القهر والمسكنة، حتى يتسنى لهم جعلك وسيلة ومطية لنيل الغلبة وتسليط يد العبث على ما بات يعرف في أدبيات المواجهة عندهم “بالطابو” أي المسكوت عنه.
فأي فكر هذا الذي أغشى بصرك وأعمى بصيرتك حتى كان من أمرك قبول هذا الدور المقيت؟ وأي تدليس هذا الذي مورس عليك وأنت الواعية سليلة كراسي الجامعات والمنابر التعليمية؟ فصرت مدفوعة برغبات مسعورة صوب الانتماء إلى فسطاط الباطل، فسطاط فوضاه مالت علينا تروم اجتياح مكاسبنا الخلقية، وضرب صحائف الوحي ومنارات الحق واستبدال كل هذا بالعود إلى الجاهلية الأولى بكل ما تحويه من سوءات وعيوب.

قرار لا اختيار
أخيّتي، لقد آن الأوان أن تقرري لا أن تختاري، فالاختيار بين المصالح في دائرة الإسلام محمود، ولكنه بين نور الحق وعتمة البهتان يكاد يكون ضرب جنون.
إذ كيف للفطرة السليمة والنفس النقية أن تسوي أو تفاضل بين من يعتبر “البكرة” عنوان عفة ورمز طهر ونقاء، ومن ينظر إلى وجودها رمز بَلادَة ودليل غباوة وشعار كبت وشذوذ..
..وبين شارع حكيم حدَّ لكل معتد ومُفرِّطة مائة جلدة تطهيرا وتأديبا، وفلسفة أهدت جلدة واحدة (العازل الطبي) حفظا ووقاية لكل “زير” من الأوجاع التي لم تكن معروفة في أسلافنا..
..وبين من لا يتصورك إلا ربَّة عرين وأم بنين ومن لا يريدونك إلا ضحية إدمان أو صاحبة أخدان..
..وبين من يسعون إلى إشباع رغبات الجسد والروح بزواج شرعي وتعدد حكيم، ومن يوثرون ألا تكونين زوجة ثانية حتى ولو انتهى بك الأمر وحيدة في ذلك الطابور الضارب في الطول والعرض من العوانس.
فيا للعجب أن يهدأ حالك ويطمئن بالك إلى الذين يريدونك أُمَّا عازباً، ولا يبغونك صاحبة بيت ومسؤولية بتعدد شرعي عادل.
وكم هو غريب أن تتخلين عن رسالة الإسلام: رسالة لباس التقوى وثوب العفاف رسالة التخيير بين النقاب والحجاب، رسالة سيد الأنام الذي زاره أيام النبوة شاب ليستأذنه في السفاح فأجابه الرحمة المهداة بقوله “أترضاه لأمك؟!” واسترسل معه عليه الصلاة والسلام منتقلا له من أصل إلى فرع حتى أثناه عن عزمه، وصدَّه عن قصده، حماية لكِ وحفظا لحقكِ، ووصية لنا حتى يتأتى لك العيش بين ظهراني معشر الرجال شريفة عفيفة مرفوعة الهامة قوية الشكيمة.
ومع شدة استغرابنا، ندعوك أيتها الأخت برفق وحنان ندعوك إلى أن تعودي إلى رفوف مكتبات القوانين الوضعية والتشريعات الأرضية لتبحثي بين سطور الأسفار وبطون المظان عساك أن تأتينا بنظير ما نتحدى به أعداء هذا الدين، وخصوم تعاليمه السمحة، فهلا وجدت أختي نصا قانونيا يحرم على كل عين ثاقبة اتباع النظرة نظرة ثانية، بل ويجعل هذه النظرة اعتداء على حق من حقوق زوج المستقبل واجتراء سافرا على حمى بعل الحاضر.
فأرسلي بصرك في حصون ديننا فهل تجدين من فطور، ثم أرسليه في سراب القوم ثم ارجعيه الكرتين والكرات ينقلب شعاعه صاغرا ذليلا وهو حسير.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *