التكريم الإلهي للإنسان من الخلق إلى الإسلام أبو الفضل حسن فاضلي

التكريم بالفطرة والهداية إلى الإسلام
الفطرة هي ذلك الإحساس الروحي الذي يولد مع الإنسان ويدفعه إلى توحيد الله تعالى والإقرار بضعفه أمام عظمة الخالق عز وجل، وهو أصل بينه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (كل إنسان تلده أمه على الفطرة، وأبواه -بعد- يهودانه، وينصرانه ويمجسانه، فإن كانا مسلمين فمسلم، كل إنسان تلده أمه يلكزه الشيطان في حضنيه، إلا مريم وابنها)[1].
فإذن أمر الفطرة هنا هو منحة وهبة إلهية للناس جميعا، قبل أن تتدخل عوامل أخرى في ضبطها وتنميتها أو في كسرها وإفسادها، بحسب ما جاء في الحديث، أو لنقل إنها قسمة بالتساوي بين بني البشر، بما هي إحساس داخلي مرتبط بالجانب الاعتقادي، ومن هنا كان التكريم بالأصل الشعوري الإحساسي للإسلام الذي هو الفطرة كما نُص عليه في الحديث قبل، وكأن الأمر يتعلق بمبلغ من المال قدمه الأب لأبنائه الثلاثة:
منهم من حافظ عليه ونماه، ومنهم من غفل عليه حتى سُرق منه، ومنهم من صرفه في أشكال المعصية والسوء، فكانت نهايتهم مختلفة رغم أن مبالغهم التي انطلقوا منها هي هي.
فالصورة العامة إذن أن الناس منهم من يحافظ على ذلك الميزان الفطري، فينصت بذلك إلى قلبه وروحه وبعد ذلك إلى عقله، فهؤلاء فهموا الإسلام وقدروا عظمته، ومنهم من لم يدرك تلك العظمة وأنه “هدية الله تعالى للإنسانية.. فلا يفهمون الرسالة التي قدمها ولا يدركونها، ولا يستطيعون فهم وعوده وبشاراته ولا الإحساس بها.. حتى إن قربهم منه يصبح وسيلة وسببا للبعد عنه، ويصبح النظر إليه وسيلة لعدم الإبصار ولعدم الإحساس به، ولكن ما العمل! فهذه طبيعتهم والشوك يبقي شوكا مؤذيا وإن كان قرب زهرة جميلة عطرة”[2].
هذا لمن قمع تلك الفطرة وعاندها ورفض الخضوع والإنصات لها، كما أنه قد يقع  العناد والرفض للرسل عليهم السلام والكتب المنزل عليهم؛ لأنها في حقيقة الأمر -أي الفطرة والرسل عليهم السلام  والكتب السماوية- هي وسائل قوية دالة على الله تعالى ومقتضية للإيمان به، ولا تملك في الثبات على الفطرة والهداية شيئا، ومن قوله تعالى: (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)[3]، يظهر أن الكسب -وهو يرتبط بعوامل ذاتية وخارجية- تدخّل في تغيير الهداية الأصلية التي فطر عليها الإنسان،” فقد يكون أحد وهو في بيت النبوة إلا أنه لا يهتدي، أو يكون معارضا له، وربما في قصر فرعون يتربى مؤمن آل فرعون وآسيا؛ وذلك لأن في هذا النوع من الهداية إرادة الإنسان”[4] .
ولما كان الثبات على هذه الفطرة والاستمرار في طريق الإسلام يستند إلى الفطرة الأصلية وإلى القانون العقلي الدال على الله عز وجل، فالكفر لا يستند إلى أي شيء، وإنما هو اللامبالاة تجاه أسس الإيمان وعدم الاهتمام بها، أو هو الفوضى على مستوى التفكير والتقييم الخاطئ لقوانين الوجود، والارتجالية بين الماركسية واللنينية، أو بين الوجودية والاشتراكية أو بين ذلك كله.
إن الله تعالى لما اقتضت حكمته أن يكون الإنسان -والجن- مأمورا بالتوحيد والعبادة، هيأ له المجال لذلك وهو الكون، فكل ما فيه موجود لخدمته وفي هذا تكريم وتفضيل، ثم وحتى لا يُعذر هذا الإنسان خلقه الله تعالى مفطورا على الإيمان والتوحيد وذلك تكريم وتفضيل، وليستقيم على هذه الفطرة ويسير بها وفيها إلى الله عز وجل؛ أرسل سبحانه الرسل عليهم السلام وأنزل كتبه لهذا القصد، وكفى به تكريما وتفضيلا وتشريفا وتحميلا للأمانة الكبرى.

————————–
[1]  صحيح مسلم
[2]  ترانيم روح وأشجان قلب,ص:10
[3]  فصلت:17
[4]  القدر في ضوء الكتاب والسنة, فتح الله كولن, ص:99.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *