الأسس التنظيمية والإدارية للموارد الجبائية في الدولة الإسلامية والرقابة عليها إبراهيم بوحمرة

النظام الجبائي المالي في الإسلام

ترجع نشأة الإدارة الجبائية إلى عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي تولى بنفسه الإشراف على تنظيم وتدبير الموارد الجبائية للدولة الإسلامية، لتتطور بعد ذلك في عهد الخلفاء الراشدين، خصوصا زمن عمر بن الخطاب الذي أنشأ بيت المال ونظام الدواوين، محدثا بذلك مرحلة انتقالية وأساسية تطورت من خلالها الإدارة الجبائية للدولة الإسلامية لتتمكن من إدارة وتدبير الأموال العامة بما يحقق المصلحة العامة للمسلمين، مع العمل على تنميتها والمحافظة عليها.
وقد كانت عملية اختيار وانتقاء الأصلح في الولايات المالية من المهمات الأساسية المنوطة بولاة الأمور، حيث كانت تخضع لمواصفات دقيقة مدارها على الصلاح والعفاف والعلم والخبرة والكفاءة والأمانة والدين.
وقد أشار صاحب كتاب السياسة المالية في الإسلام إلى بعض هذه المواصفات في كتابه إلى الخليفة هارون الرشيد قائلا: «فمر يا أمير المؤمنين باختيار رجل أمين ثقة عفيف ناصح مأمون عليك وعلى رعيتك، فوله جمع صدقات البلدان»1 .
وبهذه الصفات المشروطة في اختيار العاملين على الأموال، تمكنت الدولة الإسلامية من وضع الرجل الكفء والمناسب في المكان المناسب ومع ذلك، فقد وضعت هؤلاء العمال تحت المراقبة والمحاسبة على أعمالهم لردع المخالف ومعاقبته، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من استعملناه منكم على عمل فكتمنا مخيطا فما فوقه كان غلولا يأتي به يوم القيامة» 2.
وقد نهج الخلفاء الراشدون منهج رسول الله صلى الله عليه وسلم في حسن تدبير أموال الدولة الإسلامية ومراقبتها، يقول القاضي أبو يوسف للخليفة هارون الرشيد بخصوص مراقبة العمال: «وأنا أرى أن تبعث قوما من أهل الصلاح والعفاف ممن يوثق بدينه وأمانته، يسألون عن سيرة العمال، وما عملوا به في البلاد»3 .
فيظهر مما تقدم حرص النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين من بعده على المحافظة على أموال الأمة وصيانتها جمعا وإنفاقا وفق القواعد والضوابط التي حددها الشرع الحنيف، وقبل الشروع في تناول الإجراءات التنظيمية للإدارة الجبائية الإسلامية لابد من الوقوف على مصطلحات ضرورية تتعلق بالأجهزة الإدارية المالية للنظام الجبائي الإسلامي وهي المال وبيت المال والديوان.

مصطلحات ضرورية لمعرفة التنظيم الجبائي في النظام الإسلامي
أولا: مفهوم المال
– في اللغة: مشتق من الفعل مال. قال في المقاييس مال يميل كثر ماله(4 ) رجل مال أي كثير المال( 5)، قال ابن الأثير: «المال في الأصل ما يملك من الذهب والفضة ثم أطلق على كل ما يقتنى ويملك من الأعيان»(6 )، وعند صاحب القاموس: «المال: ما ملكته من كل شيء»(7 ).
– في الاصطلاح الشرعي:
ذهب جمهور الفقهاء من الشافعية والمالكية والحنابلة إلى أن عناصر المالية التي إذا اجتمعت في شيء عد مالا في النظر الشرعي وجازت مبادلته بالمال هي ثلاثة:
– أن يكون فيه منفعة حقيقية مقصودة.
– أن تكون المنفعة مباحة شرعا في حالة السعة والاختيار.
– أن يكون لتلك المنفعة قيمة مالية في عرف الناس(8 )
وينقسم المال إلى نوعين: العقار والمنقول.
أما العقار فهو ما له أصل ثابت لا يمكن تحويله ونقله كالأراضي والدور، وأما المنقول فهو كل ما يمكن تحويله ونقله كالنقود والعروض والحيوانات( 9).
وذكر الإمام ابن تيمية أن الأموال في القرآن الكريم «ثلاثة أصناف: عدل وفضل وظلم، فالعدل البيع، والظلم الربا، والفضل الصدقة فمدح المتصدقين وذكر ثوابهم، وذم المريبين وبين عقابهم. وأباح البيع»(10 ).
– المال في اصطلاح النظام الإسلامي المعاصر:
وأما المال العام في النظام الإسلامي المعاصر فالمراد به ما يملكه جموع المسلمون من أموال على اختلاف مشاربها وتمثل موارد للدولة الإسلامية التي يتم من خلالها تحقيق الإنفاق على كافة متطلبات المجتمع بالعدل والمساواة ودون تمييز بينهم(11 ).

ثانيا: بيت مال المسلمين
تعريف بيت مال المسلمين في اللغة والاصطلاح الشرعي:
في اللغة: هو المكان لحفظ المال، خاصا أو عاما(12 ).
تعريفه في الاصطلاح الشرعي: فقد استعمل لفظ «بيت مال المسلمين» أو «بيت مال الله» في صدر الإسلام للدلالة على المبنى والمكان الذي تحفظ فيه الأموال العامة للدولة الإسلامية من المنقولات كالفيء وخمس الغنائم ونحوها، إلى أن تصرف في وجوهها( 13)، ثم اكتفي بكلمة «بيت المال» للدلالة على ذلك حتى أصبح عند الإطلاق ينصرف إليه.
وتطور لفظ «بيت المال» في العصور الإسلامية اللاحقة إلى أن أصبح يطلق على الجهة التي تملك المال العام للمسلمين من النقود والعروض والأراضي الإسلامية وغيرها ليصبح في الوقت المعاصر يطلق على الخزانة العامة في بعض الدول العربية والخزينة العامة للمملكة كما هو الشأن في المغرب.
وينبغي عدم الخلط بين ديوان بيت المال وبيت المال، فإن ديوان بيت المال هو الإدارة الخاصة بتسجيل الدخل والخراج والأموال العامة(14 ).

ثالثا: الديوان
– تعريف الديوان في اللغة والاصطلاح الشرعي:
في اللغة: لفظ فارسي معرب يطلق على مجتمع الصحف وهو الدفتر الذي يكتب فيه أسماء الجيش وأهل العطاء( 15). وأول من أطلق هذا اللفظ هو كسرى(16 ).
في الاصطلاح الشرعي: الديوان موضوع لحفظ ما يتعلق بحقوق السلطنة من الأعمال والأموال، ومن يقوم بها من الجيوش والعمال( 17). ومن مهام الديوان أنه يقوم على أعمال الجبايات وحفظ حقوق الدولة في الدخل والخرج (أي الإنفاق)، وإحصاء العساكر وتقدير أرزاقهم وصرف أعطياتهم، والرجوع في ذلك إلى القوانين التي يرتبها قومة تلك الأعمال وقهارمة الدولة( 18) (أي القائمين على أمور الدولة)، وأول من وضع الديوان في الإسلام عمر رضي الله عنه لما كثرت الأموال واتسعت الفتوحات الإسلامية(19 ).
والذي يشتمل عليه ديوان السلطنة ينقسم إلى أربعة أقسام: أحدهما يختص بالجيش من إثبات وعطاء، والثاني ما يختص بالأعمال من رسوم وحقوق، والثالث يختص بالعمال من تقليد وعزل، والرابع ما يختص ببيت مال من دخل وخراج(20 ). وقد أضاف ابن خلدون ديوان الخراج والجبايات( 21).
ومما سبق بيانه يظهر جليا منزلة بيت المال والدواوين كمراكز تضبط حقوق وواجبات الدولة الإسلامية، كما تضبط المحاسبة المالية للدولة الإسلامية من مداخيل ونفقات.
——————————
1 – كتاب الخراج لابن يوسف: 314.
2 – صحيح مسلم: كتاب الإمارة: باب تحريم هدايا العمال (2/283).
3 – كتاب الخراج لأبي يوسف ص: 111.
(4 ) معجم المقاييس لابن فارس: (2/493)
(5 ) مختار الصحاح لأبي بكر الرازي، ص:352.
(6 ) لسان العرب لابن منظور: (14/152)
(7 ) القاموس المحيط للفيروز آبادي: (3/527)
(8 ) في فقه المعاملات المالية المعاصرة للدكتور نزيه حماد، ص: 199-200.
(9 ) فقه المعاملات المالية للدكتور رفيق يونس المصري، ص: 40 و41.
(10 ) مبادئ الاقتصاد الإسلامي، نصوص اقتصادية مختارة من كلام شيخ الإسلام، ابن تيمية، ص:100.
(11 ) حرمة المال العام في التشريعين الوضعي والإسلامي للدكتور محمد عوض رضوان، ص:18.
(12 ) المالية العامة والنظام المالي الإسلامي، د. سمير الشاعر، ص:127.
(13 ) كتاب الخراج لأبي يوسف، ص:139.
(14 ) الأحكام السلطانية للماوردي، ص:223.
(15 ) لسان العرب لابن منظور: (5/333).
(16 ) مقدمة ابن خلدون، ص: 223.
(17 ) الأحكام السلطانية للماوردي، ص: 220.
(18 ) مقدمة ابن خلدون، ص: 222.
(19 ) الأحكام السلطانية للماوردي، ص: 220 ومقدمة ابن خلدون، ص: 223.
(20 ) الأحكام السلطانية للماوردي، ص: 223.
(21 ) مقدمة ابن خلدون، ص: 224.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *