أقصى أماني المؤمن أن يدخل الجنة، وينال رضا الرحمن، ويكون رفيق النبي صلى الله عليه وسلم فيها، غير أن هذه الأمنية تحتاج من العبد العمل الجاد والمتواصل، وذلك لأنَّ الجنة سلعة غالية، والشيء الغالي لابد له من ثمن يقدمه المرء ويدفعه مهما كان قدر هذا الثمن، ولأجل هذا أجاب النبي صلى الله عليه وسلم لمن سأله مرافقته الجنة أن يكثر من النوافل وعبر عنها بالسجود.
فعن ربيعة بن كعب الأَسلمي رضي الله عنه قَالَ: (كنت أبِيت مع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فأتيته بِوَضوئِه وحاجته فَقَالَ لِي: «سل». فقلت أَسألك مرافقتك في الْجَنَّة. قال: أوَ غير ذلك، قلت هو ذاكَ، قَالَ: فَأَعِنِّى عَلَى نفسك بكثرة السُّجود) رواه مسلم.
ومثله قال لثوبان رضي الله عنه عندما سأله عن عمل يدخله الله به الجنة، فقال صلّى الله عليه وسلّم: (عليك بكثرة السجود، فإنك لا تسجد لله سجدة إلا رفعك الله بها درجة، وحَطَّ عنك بها خطيئة) رواه مسلم.
قوله: (أسألك مرافقتك في الجنة) فهذه هي أمنية كل مسلم، لكنها لا تتأتى بدون عمل ولا محبة لله ورسوله، ولا بدون متابعة للنبي صلى الله عليه وسلم إنما حيازة ذلك تتطلب الإخلاص والمتابعة، كما تحتاج للعمل الجاد والمتواصل.
فقوله (أعني على نفسك): فيه دلالة على أن الإنسان لا يستطيع أن ينال فضل الآخرة إلا بالجهد والكبت لنفسه عن فضول الشهوات والمنهيات، كما في قوله تعالى: (وأمَّا من خاف مقام ربِّه ونهى النَّفس عن الهوى) (النازعات:40)، ولذا لا يستطيع المرء أن ينال الجنة ولا أن ينال أعظم درجاتها، وأعلى منازلها إلا إذا كان مالكاً لنفسه الأمارة بالسوء.
وقوله: (بكثرة السجود): أي صلاة النوافل، وعبَّر بالسجود، لأن السجود غاية التواضع والعبودية لله تعالى، وفيه تمكين أعز أعضاء الإنسان وأعلاها، وهو وجهه من التراب الذي يداس ويمتهن، وأيضا لأنَّ العبد أقرب ما يكون إلى الله وهو ساجد، وهو موافق لقول الله تعالى: (واسجد واقترب) (العلق:19).
والخلاصة أن مرافقة المصطفى صلى الله عليه وسلم في الجنة من الدرجات العالية التي لا مطمع في الوصول إليها إلا بحضور الزلفى عند الله في الدنيا بكثرة السجود، وهذا أحد الأعمال وليس كلها، التي يحصل بها العبد على مرافقته صلى الله عليه وسلم في الجنة.