العودة إلى الدين.. كيف يفكر دعاة الحداثوية؟ محمد زاوي

تعود روسيا إلى الأرثدوكسية، وتعود الصين إلى الكونفشيوسية، لكوريا الشمالية عقيدتها العسكرتارية الخاصة، أما اليابان فلم تنفصل يوما عن تراثها وتاريخها الإمبراطوري، الحكمة في الهند –وإن ضلت- لم تتوقف يوما حتى أصبحت سياحة، تركيا تستعيد جزءا من تاريخها الإسلامي، الغرب نفسه لم يقطع أصلا بالدين ولطالما نبه بعض مثقفيه وعلمائه لأهمية العامل الديني (إريك فروم، كارل غوستاف يونغ، يورغن هابرماس)، إلخ؛ كل هذا حاصل ويتعزز عبر ربوع العالم، فماذا يقول حداثويونا وعلمانيونا؟ḷ
ما زالوا يطالبون بفصل الدين عن الدولة، بل عن المجتمع. لم يكفهم أن يطالبوا بفصل الدين عن قواعد الانتخاب والاقتصاد، بل راحوا يطالبون بفصله عن الأسرة، عن ضوابط وأخلاقيات المجتمع، عن خلق الدنيا والدين. لا يتركون مجالا للإنسان فيه نصيب إلا وتساءلوا: “أين الدين فيه؟”. ينزعون إلى محاصرة الدين في المجتمع، وليس في سياسة الدولة فقط. بل إن بعضهم نزع يحاصر الدين في النفوس، يبحث لها عن دوائها وشفائها من أمراض القلوب في غير الدين، يلتمسون الشفاء من فرويد وميلاني كلاين وجاك لاكان، لا من الصلاة وقراءة وتدبر القرآن.
ما على المرء إلا أن يتساءل باستغراب: “كيف يفكر دعاة الحداثوية؟ḷ”. ليسوا “خلعاء” عن منطق الدين فحسب، بل عن منطق التاريخ كذلك، وبشكل أعمق. يتجهون عكس منحى التاريخ، يعودون إلى زمن فرنسا ديدرو في زمن فرنسا جديدة، في زمن فرنسا انتشار اليمين المتطرف والسياسات الجديدة بخصوص الإسلام.
ما لا ينتبه إليه دعاة الحداثوية أن الدين لم يخرج من حياة المجتمعات الغربية نهائيا، بل إن ما بقي فيها من ذرة إنسانية لم تكن لتستمر إلا بوجود مساحات من الدين بقيت عصية عن الاستعمار المادي. وإلا، فكيف نفسر استمرار الأسرة في الغرب (ومشاكلها من انحراف الغرب وماديته)؟ كيف نفسر استمرار القابلية للنظام، الانضباط، الاحتكام للقانون؟ كيف نفسر مشاهد من تراحمهم وتكافلهم الاجتماعي ذي المؤسسات الخيرية الكبرى (بعضها تابع للكنيسة الكاثوليكية)؟ كيف نفسر بعض طقوسهم السياسية ذات الجذور الدينية؟ كيف نفسر تشبث بعض مثقفيهم بالعلم والمعرفة بعيدا عن أعين الرأسمال؟ إلخ.
فليجب دعاة الحداثوية على هذه الأسئلة، قبل مساءلة المؤمن البسيط عن ركعة في جوف الليل، وقبل مساءلة دولة ذات خصوصية عن علاقتها بالدين، وقبل مساءلة التشريع عن قانون يقسم التركة وفق “الأحكام الثابتة بنصوص قطعية”، وقبل مساءلة فتاة متعففة عن ارتداء حجاب يقيها ما نعيشه من شذوذ وانحلال خلقي، وقبل مساءلة امرأة تصون زوجها وترعى أبناءها عن طاعة تورث السيادة؛ فليجيبوا على سؤال “الغرب”، وإلا فليصمتوا عن سؤال “الشرق/ المسلمين”.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *