الشذوذ الجنسي هو الشجرة التي تخفي غابة التوحش الرأسمالي، فهو ليس مجرد ظاهرة تعيشها المجتمعات الغربية فحسب، بل هو تهديد خطير للوجود البشري على وجه الأرض، وهنا تحضر نظرية “المليار الذهبي” بقوة.
ونظرية “المليار الذهبي” بالإجمال تتجلى في قيام النخبة المسيطرة على العالم بسلك السبل للتقليص من تعداد البشرية، لأن الموارد في نظرهم لن تكفي بأي حال من الأحوال جميع البشر الذين يتزايد عددهم بشكل مضطرد.
فالشذوذ الجنسي جريمة نكراء حاربتها كل الديانات الصحيحة، وبغض النظر عن إثمها الأخلاقي، ووقعها الاجتماعي، فهي ليس مجرد عبث شهواني، مقيد باللذة وتصريفها، بل الشذوذ الجنسي المعاصر شاذ حتى في أفكاره ومبادئه المرجعية التي تأسس عليها، فاللواط “الما بعد حداثي” له أبعاده الفلسفية بعمق وتأثير كبيرين على مستقبل البشرية.
فإذا كانت فاحشة قوم لوط شهوانية ف”الشذوذ المعاصر” يقوم ويتأسس على أفكار العدمية، وهي فلسفة لا تميز بين الخير والشر، وبذلك يكشف الشذوذ عن مأزق إنساني يتمثل في غياب الاستخلاف في الأرض، والغاية والمعنى من الحياة وتحولها إلى العبث المحض، وربما تنتهي بالبشرية إلى الذوبان والاندثار.
فيمكن تلخيص المبدأ الأساس لفلسفة العدمية في مقولة الفيلسوف الألماني نيتشه بـ”إنكار الحياة”، ويمكن اعتبار الشذوذ تجسيد لإنكار استمرار الحياة، لأن الشذوذ يحول العملية الجنسية التي تنتج الذرية وتحقق الاستخلاف، إلى فعل عبثي مهدر، لا فائدة منه، ولا نتيجة وراءه، مختلقة مقولات واهية عن الفردانية وحرية تصرف الإنسان في جسده، وحقه في اختيار ما يريد، لإضفاء المشروعية المزيفة على الشذوذ.
وقد تكلم الدكتور عبد الوهاب المسيري رحمه الله عن هذا التوجه الغربي نحو الشذوذ الجنسي، وأن الدافع لذلك ليس مجرد شهوة، بل البعد الفلسفي لمبدأ اللذة، وقال رحمه الله: “أعتقد أن الشذوذ هو النتيجة المنطقية والترجمة الوحيدة الأمينة لمبدأ اللذة النفعي، فالإنسان الشاذ يمكنه أن ينشئ علاقة مع شخص آخر من جنسه فيتغلب على اغترابه بشكل مؤقت ثم يعود مرة أخرى لحياته الاستهلاكية البسيطة. وهو يتغلب على اغترابه دون أن يدخل في علاقات ذات آثار اجتماعية تضطره للدخول في علاقة حقيقية مع الآخرين ومع الواقع، إن العلاقة مع شخص من نفس الجنس هي أقل العلاقات الإنسانية جدلية”.
ويقول المسيري أيضا: “لا يمثل الدفاع الشرس عن المثلية الجنسية والدعوة إلى تطبيعها دعوة إلى التسامح أو تفهم وضع المثليين، بل هو في أصله هجوم على المعيارية البشرية، وعلى الطبيعة البشرية كمرجعية نهائية ومعيارًا ثابتًا يمكن الوقوف على أرضه لإصدار أحكام وتحديد ما هو إنساني”.
فالشذوذ الجنسي مخالف للفطرة، ومعارض للحكمة الإلهية، والتي هي استخلاف الإنسان في الأرض لعمارتها، ومن يحمل رايته الملونة يخوض حربا وجودية تستهدف صميم الإنسان والبشرية، بتكوينها وفطرتها ويقودها إلى هوة سحيقة تقضي على الوجود البشري، فكما أسقط الشذوذ قديما إمبراطوريات عاتية، وتسبب في فناء أقوام، فهو اليوم أداة في يد الرأسمالية المتوحشة، التي تسوق العالم بنظرياتها وفواحشها الإبليسية، لتحقيق نظرية “المليار الذهبي”.
فظاهرة الشذوذ تجسيد لصراع إنساني حول الهوية والفطرة، وانحراف خطير سيؤدي بالبشرية إلى الفناء، والانقراض، وهنا ستتجلى قوة الإسلام الذي سيكون طوق نجاة للبشرية، وإكسير حياة للإنسانية، لمقاومة الإباحية الشاذة ومخططاتها التدميرية.