العري في الشوارع والشواطئ مسؤولية من؟! أحمد السالمي

إذا بحثنا عمن يتحمل المسؤولية في ظاهرة العري، أو عن أي ظاهرة أخلاقية عموما، يرتكبها الإنسان الذي خلقه الله وكرمه عن باقي الخلائق، ورزقه الاستخلاف في الأرض، وجعله مسؤولا أمامه تعالى، وأمام نفسه، وأمام باقي أفراد المجتمع، نجد أن الإنسان هو من ترتبط به المسؤولية الجزائية في الفقه الإسلامي، وحتى القانون الوضعي.

فمن المسلمات أن الجمادات والكائنات الحية، سوى الإنسان، خارجة من نطاق المسؤولية الجزائية، وذلك لأن الإنسان هو وحده من يملك الإرادة والقدرة التي تقف وراء الفعل، والتي تجعله عرضة للسؤال الدنيوي والأخروي.

فانتشار ظاهرة العري في الشوارع والشواطئ بالدرجة الأولى هي مسؤولية الإنسان كفرد، لأن هذا العري يدخل في خانة الفعل الاختياري المنبثق عن إرادة وقدرة، لا إكراه فيه ولا غصب، وبذلك تبرز المسؤولية الفردية، أولا لثبوت الفعل الاختياري الصادر من الإنسان الفرد، لأن المكره لا يتحمل مسؤولية ما يفعل، والثاني: هو كونه مكلفا مخاطبا بالشرع وهو ما يعبر عنه الفقهاء بالقدرة، فإذا انتفى التكليف لعارض كعدم البلوغ أو الجنون انتفت المسؤولية، والثالث: المدح على الفعل والذم على الترك، فأفعال البر ومكارم الأخلاق، واجتناب الموبقات من الأمور التي يمدح صاحبها ويثاب عليها، أما فعل القبائح وتعدي الحدود الشرعية هي أفعال يذم صاحبها ويعاقب عليها، فبحسب الفعل وثبوت المسؤولية يكون الثواب والعقاب.

وقد ربط القرآن الكريم بين المسؤولية والفعل الأخلاقي، والآيات كثيرة في هذا الباب، من ذلك قول الله تعالى: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا}النساء:36.

فإن الله كرم الإنسان وجعله مسؤولا عن أفعاله، ومناط ذلك العقل قال عز وجل: {ولقد كرمنا بني آدم} [الإسراء:70].

قال العلامة الطاهر ابن عاشور رحمه الله: “فأما التكريم فهي مزية خص بها الله بني آدم من بين سائر المخلوقات الأرضية…، والتكريم: جعله كريما، أي نفيسا غير مبذول ولا ذليل في صورته ولا في حركة مشيه وفي بشرته، فإن جميع الحيوان لا يعرف النظافة ولا اللباس ولا ترفيه المضجع والمأكل ولا حسن كيفية تناول الطعام والشراب، ولا الاستعداد لما ينفعه ودفع ما يضره، ولا شعوره بما في ذاته وعقله من المحاسن فيستزيد منها والقبائح فيسترها ويدفعها”.

فمرتكب فعل التعري يتحمل مسؤولية تجاه نفسه أولا، ومسؤولية تجاه الغير” من والدَين وأولاد وجيران، وزملاء في العمل، وكل من شاهد هذا التعري المخالف للشرع.

وهنا تبرز المسؤولية المجتمعية، التي فرطت في فرض القوانين التي تحيي روح الشريعة ومبادئها.

وقد أشار القانون الجنائي في الفصل 483 على أن “من ارتكب إخلالا علنيا بالحياء وذلك بالعري المتعمد أو بالبذاءة في الإشارات أو الأفعال، يعاقب بالحبس من شهر واحد إلى سنتين وبغرامة من مائتين إلى خمسمائة درهم. ويعتبر الإخلال علنيا متى ما كان الفعل ارتكب بمحضر شخص أو أكثر شاهدوا ذلك عفوا أو بمحضر قاصر دون الثامنة عشرة من عمره، أو في مكان قد تتطلع إليه أنظار العموم”.

والواقع يؤكد أن القانون، الذي لا يطبق إلا في حالات معزولة، لا يرقى إلى المطلوب، والدليل عجزه عن الحد من هذا الانحراف.

وكذلك تتجلى المسؤولية المجتمعية في التفريط في نشر الدروس العلمية والفكرية التوعوية، التي ترجع الإنسان إلى حضن شرع الرحمن، وكريم الأخلاق والفعال، وزرع القيم الحميدة، وإحياء دور الحسبة التي كانت تقوم بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن الفحشاء والمنكر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *