حينما تنهار خطوط الدفاع للأمة، وتضعف فيها المناعة فإنها تصبح عرضة لشتى أنواع الغزو والمكر والكيد, وخطوط دفاع أمتنا ليست هي وحدها الجيوش المجيشة, إنه الوازع الديني ومراقبة الله في السر والعلن, والحضور القوي للعلماء الربانيين والدعاة المخلصين, وأغلب هذه الخطوط للأسف الشديد منهارة متلاشية, حيث أصبحت الأمة ساحة مفتوحة لكل أنواع الغزو المعروف وغير المعروف, من غزو فكري, وحضاري, وثقافي, ومكر الليل والنهار, ومسخ وتمييع وحروب ظاهرة وخفية.
لقد تنوعت أصناف الغزو الذي تتعرض إليه الأمة حتى بلغ بالأمر بالغزاة إلى توظيف مجالات هي في الأصل أبعد ما تكون عن هكذا أهداف, وأصبح كل ما يخطر على البال -وما لا يخطر أيضا- وسيلة للغزو والاستغلال السياسي والديني والثقافي, ومن ذلك المجال الرياضي, وأقصد بالتحديد ما يمرر ويسرب باسم المسابقات والمنافسات الرياضية, وليس الرياضة كممارسة, حتى أننا يمكن أن نطلق عليه اسم الغزو الرياضي.
أحببت أن يكون هذا هو المدخل لهذه الكلمة, لفتا للأنظار, وتسليطا للضوء, على هذا الخطر المتستر بثياب الرياضة, المتسلل لبيوتنا, الشاغل لتفكير صغارنا وكبارنا, ولقد استشعر أعداء هذا الدين أهمية هذا الباب لإذابة الخلافات بيننا وبينهم, وتمرير زبالات وحثالات أفكارهم, وإلهائنا عن قضايانا وأهدافنا, وإشغالنا عن مخططاتهم ومكرهم.
لقد أصبحت الرياضة كما يزعمون مجالا للتقارب الإنساني والتنافس الشريف بعيدا عن صراعات وحروب الأديان والعقائد. ففي هذه المنافسات فرصة ليلتقي الإسرائيلي مع الفلسطيني واللبناني والسوري والأردني والمصري ليعطوا صورة عن التنافس الشريف الحر ويرسموا لوحة رائعة للحب والتسامح, كذلك الأمر بالنسبة للأمريكي والبريطاني مع الأفغاني والعراقي, وغيرهم من ضحايا هذه الأمة وجلاديهم.
كما أصبحت الرياضة تنتج أبطالا مزوّرين ملأت صورهم الكتب والجرائد والمجلات, وافتتن بهم الشباب المسلم إناثا وذكورا يقتدون بهم حذو القذة بالقذة.
أما على المستوى الاقتصادي فقد أصبحت الرياضة سوقا رائجة, ومجالا لإشهار أنواع البضائع والمنتجات, دون تمييز بين حلالها وحرامها لا فرق في ذلك، بل أضحت الرياضة المروج الأساس لكثير من أنواع القمار المحرم.
لكن الأفظع أن تصبح الرياضة في قناعة الكثيرين ميدانا لا مجال فيه للحشمة والحياء، حيث أصبح المسلمون ينظرون إلى عورات النساء والرجال مع أبنائهم وإخوانهم ووالديهم, معتبرين أن الأمر لا يزيد عن كونه تنافسا شريفا في حلبة صراع رياضي, لا مجال فيها للنوايا السيئة, فكيف تريد من امرأة في مسابقة للسباحة أن تلبس لباسا محتشما هذا هو التخلف بعينه, فلا تستغرب إن صادفت شخصا يحمل هذه القناعة, وهو يبرر مشاهدته لنساء تتسابقن بملابسهن الداخلية, وكأن الرياضة دليل لتخصيص النصوص الآمرة بغض البصر.
لا تستغرب لكل هذه المصائب لأن الأمر لم يصل إلى هذه الدرجة من التطبيع مع المخالفات الشرعية بشكل اعتباطي، بل اتبع من يهمهم تفكيك بنية القيم الإسلامية خطوات ضيقة لكنها كثيرة بدأت يوم سمح المسؤولون للفتيات بأن يمارسن الرياضة في المؤسسات التعليمية بألبسة تنحسر عن أفخاذهن وتحت إشراف مدرب ذكر، امتثالا لتنظيرات مفكري الغرب المحتل الذي عرف كيف يقلب مفاهيمنا, ويطمس مبادئنا, تارة باسم الرياضة, ومرة باسم الفكر, وأخرى باسم الفن.
كل هذه الطامات والمصائب مما اشتركت فيه المسابقات الرياضية, من عري وترويج للمحرمات وإماتة لعقيدة الولاء والبراء وكسر للحاجز النفسي تجاه الأعداء المحتلين لبلادنا والانشغال بسفاسف الأمور وإضاعة الوقت والمال, وتعظيم التافهين والحثالات والإعجاب بهم, إلى غيرها من القيم التي تضرب وتمسح وتمسخ باسم الرياضة, والرياضة منها بريئة.
ومن المسابقات القديمة التي أعيد إحياؤها في هذا العصر, أواخر القرن التاسع عشر, والتي يتعدى خطرها ما ذكرنا من هدم لأخلاقنا وقيمنا, وتطبيع مع واقع الانهزام والتبعية: الألعاب الأولمبية, والتي تشكل استمرارا لأعياد الإغريق الوثنية .
وحتى يتبين لنا أن صحة ما ذكرنا سالفا نعرض هذه الإشارات السريعة التي تدل على أن الألعاب الأولمبية إنما هي استمرار لعيد الإغريق الوثني وإحياء له, وذلك من خلال نقط مختصرة:
الاسم:
الألعاب الأولمبية أو الأولمبياد نسبة الى سهل “أولمبيا” وهو مكان مقدس باليونان القديمة يحوي مجوعة من الأماكن المقدسة كجبل “الأولمب” والنهر المقدس وقرية “أولمبيا”.
المكان:
كانت قرية “أولمبيا” مجمع ومحج دول الإغريق بما تضم من معابد وتماثيل وذخائر مقدسة أهمها إلههم الأكبر الذي يعتبرونه رب الأرباب المسمى “زيوس” راعي الألعاب الأولمبية القديمة. وقرب معبد الإله “زيوس” أقيم ملعب ليتقرب الناس بالألعاب لآلهتهم. خاصة وأن العقيدة الإغريقية مزجت بين طقوس العبادة والرياضة وكانوا يعتقدون أن مثل هذه الألعاب تسر الأموات.
الزمان:
يقام العيد كل أربع سنوات في البدر الأول من الانقلاب الصيفي أي أول شهر يوليو. وهو عيد مقدس عند اليونان حرَّموه وحرموا الأشهر المحيطة به.
الطقوس والشعارات:
كان المشاركون يؤدون قسما مقدسا أمام محراب الإله “زيوس” وهم عراة.
تتلى في ختام الأعياد أسماء الفائزين ويتسلمون جوائزهم ويختتم العيد بحفل كبير.
كان القرص الذي يتدرب به “ايفيتوس” ملك “إبلييس” والذي حفرت عليه بنود الهدنة الإجبارية بين الإغريق يضم خمس دوائر متشابكة.
تعتبر النار عند الإغريق شيئا مقدسا ورمزا للطهارة والنقاء, وعندما توقد الشعلة على المذبح المقدس إيذانا ببدء الأعياد تتوقف كل الحروب في بلاد الإغريق القديمة.
وختاما فإن أعياد الإغريق الوثنية في زمانها وشعاراتها وطقوسها هي نفسها الألعاب الأولمبية, فالشعلة في عصرنا الحاضر تنطلق من المذبح المقدس في الوادي المقدس “أولمبيا”, ويتم حملها بالطائرات والسفن عبر الجبال والبحار وتتناقلها أيدي العدائين إلى البلد المنظم ثم إلى داخل الملعب. والرياضيون اليونانيون أول من يدخل ملعب الأولمبياد ثم يتبعهم بقية اللاعبين اعترافا بفضلهم, وإحياء للألعاب الأولمبية القديمة, نفس الشيء يقال عن الشعار والقسم والزمان, حتى أن “الجيمناستيك” هي كلمة يونانية تعني عريان.
إنهاأعياد الإغريق الوثنية بعثت في ثياب رياضية.