الذي يحصل هذه الأيام من تفشي الإجرام وانعدام الأمن مؤشر خطير على بوادر فوضى غير خلاقة بدأت تتحكم في الحياة العامة للناس، فالأمن عصب الحياة ومن أجله يضحى بالغالي والنفيس، ومتى افتقد اختلت الحياة وفقدت طعمها وتنغصت على الناس سعادتهم فيتملكهم الخوف حتى وهم بين جدران بيوتهم فكيف خارجها، فيصبح خوفا مرضيا قد يصير عصيا على العلاج.
فما تطالعنا به الصحف من أخبار يبث الرعب في صفوف المواطنين ويصيب بالفزع، ناهيك عما يتعرض له كثير من الناس من صور السطو والسرقة والاختطاف وغير ذلك مما أبدعت فيه عبقرية بعض المجرمين، فالأمر يستدعي وقفة حقيقية لمعرفة مكمن الداء من أجل الحد من انتشار هذه الظاهرة أو تخفيفها، فلا تكفي في ذلك المقاربة الأمنية وحدها والتي ثبت فشلها بين الفينة والأخرى، ولا أدل على ذلك من عودة بعض المجرمين إلى إجرامهم قبل أن يغيروا ملابسهم التي خرجوا بها من السجن الذي صقلوا فيه مواهبهم.
لا شك أن الأمن والاستقرار أعز مطلوب عند الإنسان حتى وإن خاض الحروب، فلأجل ضمان الأمن في الحاضر أو المستقبل ولأهميتهما في النفوس البشرية امتن الله به على قريش في أكثر من آية، قال تعالى: “فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ، الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ”، وقال سبحانه: “أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ” وبه بشر النبي صلى الله عليه وسلم -من باب الامتنان السابق على هذه النعمة- خباب بن الأرث رضي الله عنه لما جاء يسأله النصر والتمكين على المشركين الذين ساموهم سوء العذاب فقال: “ليُتمنَّ الله هذا الأمر حتى يصير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخشى إلا الله والذئب على غنمه” البخاري.
فقد بشر النبي صلى الله عليه وسلم بالأمن هنا دون سواه، ففقدان الأمن يعني فساد الدنيا والدين، فالأمن نعمة ربانية تحتاج إلى الشكر الذي هو سبب المزيد “لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ” والشكر إنما هو بالأعمال لا بالأقوال فحسب، وحقيقته طاعة المنعم في كل ما أمر واجتاب ما عنه نهى وزجر.
وما أحوج المغاربة اليوم إلى أن يرفعوا أكف الضراعة إلى العلي القدير ليعيد لهم الأمن الذي نعموا به مدة من الزمن، فخروج بعض المواطنين في مظاهرة للمطالبة بالأمن المفقود أنسى الناس لهيب الأسعار مما يطرح أكثر من علامة استفهام.
وبعدما طفت الظاهرة على السطح وبلغ حرها العظام لم يكن هناك بد من إبداء النصح صونا لكرامة الوطن وهيبته، وحماية لسلامة المواطن وأمنه، فأمة الإسلام لن تجد حلولا تكفيها مؤنة المشاكل التي تتخبط فيها إلا في دستور حياتها الذي هو كتاب الله وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام، فإذا كان الله يمتن على عباده بالأمن كما مر فإنه دل على سبل تحقيقه، قال جل شأنه: “وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً” فالله هو واهب الأمن، فلا بد إذن من تحقيق الشرط ليتحقق المشروط، ولابد من عودة صادقة للدين وتحكيمه في جميع شؤون حياتنا؛ وإفراد الله بالعبودية وحده دون ما سواه من الأهواء والأوثان والصلحاء..
ومما لا ينبغي التفريط فيه وهو أمر مهم للغاية فتح السجون للعلماء والوعاظ فدورهم في إعادة تأهيل السجناء المنشود لا يقبل تجاهله لأمر أو لآخر، فلا يعقل أن يفسح لهم المجال في بلاد الغرب وتوصد الأبواب في وجوههم في بلد إسلامي كالمغرب وكأنهم شر يحتاط منه، مع قدرتهم على التأثير في المجرمين والعودة بهم إلى جادة الصواب.
أمر آخر لا يقل أهمية بل نتائجه قد ظهرت فيما مضى ولا تخفى على القائمين على الشأن، ألا وهو دُور القرآن، فكم كان لها الأثر البين في توبة عتاة المجرمين في أحياء كان المرور منها مغامرة، سادها الأمن والاستقرار بعد أن فتحت فيه دار للقرآن الكريم التي تُنكر لها هذه الأيام.
قد يبدو هذا الرجاء حلما في هذا الوقت بالذات ولكن لا تستهينوا وافتحوا دارا للقرآن في الأماكن الأقل أمنا لتصبح بعدها أكثر أمنا، فتكفيكم مؤنة عظيمة، شرط أن لا يتم الانقلاب عليها بعد أداء المهمة.
نقول هذا الكلام فربما يوجد من يستمع إلينا من العقلاء ويحمل هذا الكلام على محمل الجد، ربما..