النموذج السادس: العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال
بدعة العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال من الأغلاط التي صاغتها عقول جماهير الخلف من المسلمين، والسبب في ذلك أنهم لم ينتبهوا للتطور الذي حدث في تقسيم الأحاديث قبل الترمذي وبعده، فقبل الترمذي كان المحدثون يقسمون الحديث إلى صحيح وضعيف، وبعد الترمذي صاروا يقسمونه إلى صحيح وحسن وضعيف؛ فالضعيف في التقسيم القديم يشمل الضعيف المجبور الذي يسمى الحسن بعد الترمذي، ويشمل الضعيف المتروك، ومن أجل ذلك لم يعرفوا مراد الإمام أحمد من قوله: “الحديث الضعيف عندي أفضل من رأي الرجال”، ولم يضبطوا مقصود الإمام أحمد في قوله: “إذا روينا في الحلال والحرام شددنا، وإذا روينا في غير ذلك تساهلنا”، ولم يدركوا مغزى قول أهل الحديث: “من أسند لك فقد أحالك”، وقولهم أيضا: “من أسند لك فقد برئت ذمته”.
يضاف إلى ما تقدم أن جماهير الخلف الذين زعموا أن العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال قاعدة مسلمة، لم يكونوا يشتغلون بعلوم الحديث، ومن ثم فتحوا الباب على مصراعيه بهذه القاعدة فدخل باسمها إلى مؤلفات الخلف ما هو من قبيل الضعيف وما هو من قبيل شديد الضعف وما هو من قبيل الموضوع، نعم هناك من ضيق دائرة هذه القاعدة من علماء الخلف، ووضعوا لتطبيقها شروطا منها:
أولا: أن ألا يكون شديد الضعف.
ثانيا: أن يكون مندرجا تحت أصل عام.
ثالثا: أن ألا يعتقد عند العمل به ثبوته.
والتأمل في الشروط الثلاثة يهدي إلى أن القاعدة لم تكن على إطلاقها، بل هي مقيدة بقيدين أحدهما حديثي والثاني فقهي، كما قال الشيخ الألباني. والمراد بالقيد الحديثي هو أن لا يكون الحديث شديد الضعف ومن باب أولى أن لا يكون موضوعا، والمراد بالقيد الفقهي ما يفهم من الشرط الثاني المعبر عنه بقولهم: أن يندرج تحت أصل عام، غير أن هذا القيد غير كاف في الحقيقة، لأن غالب البدع تندرج تحت أصل عام، ومع ذلك فهي غير مشروعة وهي التي يسميها الإمام الشاطبي البدع الإضافية، والأفضل أن يقال بدل هذا القيد “أن يكون الحديث الضعيف قد ثبتت مشروعية العمل بما فيه بدليل غيره مما يصلح أن يكون حجة”، وفي هذه الحالة لا يكون التشريع بالحديث الضعيف، بل بدليل شرعي صحيح، وعليه فالحق في هذه المسألة ما قاله الشيخ ابن تيمية رحمه الله: “وذلك أن العمل إذا علم أنه مشروع بدليل شرعي، وروي في فضله حديث لا يعلم أنه كذب جاز أن يكون الثواب حقا، ولم يقل أحد من الأئمة إنه يجوز أن يجعل الشيء واجبا أو مستحبا بحديث ضعيف، ومن قال هذا فقد خالف الإجماع”.
وعليه تأملوا أيها القراء النتيجة العلمية المترتبة على رد أحاديث الآحاد وجواز العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال!
إن من أغرب الغرائب أن يكون من بين المسلمين من يرد الأحاديث الصحيحة ويقبل مكانها الأحاديث الضعيفة ثم يصوغ ذلك الرد وذلك القبول في قوالب قواعد مطردة تدرس في مصطلح الحديث إلى الآن، دون أن يكون هناك من بين جماهير الخلف من يتنبه لهذه الكارثة أو من يستفيد مما قرره السلف حول هاتين المسألتين، باستثناء أفراد قلائل من بقية السلف الذين قال الرسول صلى الله عليه وسلم في شأنهم: “يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله؛ ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين”.
ثم إن الذي يحسم النتيجة العملية لهاتين المسألتين أو البدعتين؛ هو الحالة التي عليها مؤلفات الخلف في التفسير والأصول والفقه والسيرة؛ فهي مؤلفات مشحونة بالحديث الضعيف والموضوع، [وغير خاف عليك الأثر السلبي الكبير الذي خلفه انتشار هذه الأحاديث في الأمة ..]