ذكر الشيخ تقي الدين الهلالي في كتابه “الدعوة إلى الله في أقطار مختلفة” جوابا على السؤال في العنوان، فقال رحمه الله تعالى (ص:25-26-27):
“وكأني بعابد القبر يقول يا هذا لقد أسرفت في القول فهل يعبد مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله قبرا؟
فأقول في الجواب: يمكن أن تغالط بهذا الكلام غيري أما أنا فلا تستطيع أن تغالطني لأنني أنا بنفسي كنت أعبد القبور فهداني الله إلى توحيده وهدى بي خلقا كثيرا ولله الحمد وأزيدك على ذلك ما يخرسك ويلقمك حجرا، أن الجهال في هذا الزمان من أهل البلاد الإسلامية وما أكثرهم يعبدون القبور والأنصاب بل والأشجار ويعبدون كل شيء حتى الحمير ودونك البرهان القاطع:
أما عبادة الأضرحة فأمر متواتر مشاهد بالعيان في أكثر البلدان المنتسب أهلها إلى الإسلام كما هو في بلاد النصارى وهؤلاء يزيدون التماثيل.
وأما عبادة الأشجار فقد حدثت من عهد بعيد فقد ذكر بن أبي شامة في كتاب البدع له: أن شجرة كانت تعبد في دمشق في زمانه. وأما في هذا الزمان فحدث عن البحر ولا حرج، فقد شاهدت شجرة عظيمة وافرة الأغصان تعبد في مصر، وأخبرني الشيخ عبد الرزاق حمزة أنه همَّ بقطعها وأخذ فأسا واشتغل طول الليل إلى أن كاد الفجر يطلع فلم يستطع أن يقطع إلا جزءا يسيرا من أغصانها، فجاء عبادها في الصباح بالنذور فوجدوا بعضها مقطوعا فغضبوا غضب العابد لمعبوده، واتهموا الشيخ المذكور ورفعوا شكوى إلى العمدة فطالبهم بالبينة، فقالوا: لا يوجد أحد في هذه الناحية يشنع على المتبركين بها إلا هذا الرجل، فقال العمدة: إنني لا أستطيع أن أعاقبه بهذه الحجة التي لا تتجاوز الظنون. وأخبرني (محمد أجنا) -وهو رجل قضى عمره في البدع حتى بلغ السبعين ثم هداه الله إلى التوحيد بدعوتنا- أن له شجرتين يعبدهما الفلاحون إحداهما اسمها أبو بكر والأخرى نسيت اسمها، وأن الفلاحين يضعون أدوات الحرث وغيرها مما يثقل عليهم حمله إلى إحدى الشجرتين فلم يتجرأ أحد أن يسرق شيئا من ذلك مع أنهم سرقوا حصر المسجد. ولو ذهبنا نعدد وقائع عبادة الأشجار لطال بنا الكلام.
وأما عبادة الأحجار فهي كثيرة أورد بعض وقائعها: فمن ذلك حجر كبير ناشز في جبل بالصعيد في مديرية أسيوط أخبرني أصحابنا أنه كان يسمّى الشيخ داغار وأن جماعة منهم هبوا ذات ليلة بمعاولهم واشتغلوا طول الليل، فتركوا الشيخ داغارا أثرا بعد عين.
ومنها أن صخرة في مرسى مدينة طنجة داخل البحر تسمى سيدي ميمون يعبدها أهل تلك الناحية. وسبب اطلاعي على عبادتها أني كنت راكبا في سيارة حافلة من طنجة إلى تطوان سنة ثلاث وأربعين وتسعمائة وألف بتاريخ النصارى وأتباعهم، وكان إلى جانبي رجل معه امرأة فسلم علي وقال لي: أنا ممن يحضر دروسك في الجامع الكبير وقد هداني الله إلى التوحيد بسبب ذلك ولكن زوجتي هذه لا تزال متمسكة بالشرك فأرجوا من فضلك أن تعظها لعل الله أن يهديها بوعظك كما هداني أنا، وذكر لي قضية قد اشتد نزاعهما فيها تتعلق بعبادة الصخرة البحرية المسماة بسيدي ميمون، وحاصلها أنهما لا يعيش لهما الأولاد إذا بلغ الصبي سنة يموت، فنذرت زوجته أن تذبح عن ولدها في كل سنة لسيدي ميمون، وقد حانت نهاية السنة الأولى من عمر الصبي قال: فامتنعت أنا من الوفاء بهذا النذر وقلت: إن عمر الصبي بيد الله وميمون صخرة لا تضر ولا تنفع فلم تقبل. فوعظتها من طنجة إلى تطوان مدة ساعة ولا أدري هل انتفعت بوعظي وتابت أم بقيت على شركها. وأكتفي بهذا القدر من الشواهد على عبادة الأحجار.
ومن عبادة المياه أن بئرا بالقصر الكبير يعبدها السفهاء ويسمونها سيدي ميمونا، ويزعمون أن ابن أمير الجن مِهروش كثيرا ما يحضرها، خبرني بذلك غير واحد في البلد المذكور وشاهدت حوادث أخرى من عبادة المياه فلا أطيل بذكرها.
وأما عبادة الحمير فأذكر فيها قصتين: إحداهما وقعت في طرابلس الغرب على ما حدثني به ثقة، وذلك أنه كان في تلك الديار شيخ متصوف اسمه عبد السلام الأسمر كان يرقص مع أصحابه ويضرب بالدفوف حتى يخروا صرعى على الأرض ويعتقدون أن الدف الذي كان يضرب به الشيخ عبد السلام نزل من الجنة، وكان يضرب به علي بن أبي طالب للنبي (صلى الله عليه وسلم)، والشيخ عبد السلام والمريدون المنقطعون للعبادة معه لم يكونوا يكتسبون معيشتهم لأنهم كانوا بزعمهم متوكلين. وكان للشيخ المذكور حمار يطوف على بيوت البلد وحده كل صباح ومساء، وعليه خرج، فكلما وقف بباب بيت يضع أهله شيئا من الطعام في ذلك الخرج فيرجع إلى الشيخ والمريدين بطعام كثير غدوة وعشية، فلما مات الشيخ وتفرق المريدون بقي الحمار بلا عمل فصار الناس يقدمون له العلف ويتبركون به إلى أن مات فدفنوه وعكفوا على قبره يعبدونه.
والقصة الثانية في المغرب: قرأت في سنة ستين وتسعمائة وألف بتاريخ النصارى في صحيفة العلم مقالا لمعلمة اسمها خديجة النعيمي من الدار البيضاء قالت خديجة: خرجت مع نسوة جاهلات نتجول خارج المدينة فمررنا بكوم من الحجارة فأخذت النسوة يقبلن تلك الحجارة ويتمسحن بها قائلات: (أنتاع الله لله يا للا حمارة) معناه نسألك متاع الله أي ما أعطاك الله من الكرامة يا سيدتنا الأتان، قالت: فأنكرت صنيعهن وقلت لهن: ويحكن تتخذ أولياء حتى من الحمير، فقلن لي: اسكتي فإنك لا تعرفين قدر هذه الولية فكم قضت من حاجات ونخاف عليك أن تضربك ضربة يكون فيها حتفك فسلمي للفارغ لكي تنجي من العامر (قلت: و هذا مثل يضربه المغاربة لمن اعترض على عبادة شخص و قال: إنه لا ينفع و لا يضر يقول له عباده: (سلم للخاوي تنجى من العامر) معناه هب أنه فارغ من الولاية فخير لك أن لا تعترض عليه وأن لا تنكر ولايته لأنك إن استمررت في الإنكار يخشى عليك أن تصادف وليا حقيقيا فيصيبك بِشر). ثم وجهت الكاتبة المذكورة دعوة إلى العلماء وقالت: يا علماء الدين اتقوا الله وعلموا الناس توحيد الله وشعائر دينه فإنكم ضيعتم الأمانة التي حملكم الله إياها حتى وصل الناس إلى عبادة الحمير دون الله. فكتبْتُ ثلاث مقالات تلبية لدعوتها ونشرت في صحيفة العلم ولم يلب دعوتها أحد غيري من قراء صحيفة العلم وهم يعدون بالآلاف وأظن أن هذا القدر يكفيك إن كنتَ منصفا، ويقمعك إن كنتَ متعسفا”.
الشيخ الدكتور تقي الدين الهلالي
رحمه الله تعالى