السياسة الإسبانية والمغرب ذ. إدريس كرم

 

 

أثارت الرسالة الختامية التي قرئت في افتتاح الكورتيز يوم 2 أفريل 1914 التداخل المتواصل للمشكلة المغربية في العلاقات الإسبانية الفرنسية بالمغرب.

ممارسو البعثة التمدينية يقولون بأنه يتحتم علينا في نواحي شمال افريقيا تعيين تخصيص سلطتنا برسوم ووثائق تاريخية وجغرافية معترف بها في الاتفاقيات الدولية، وتبين للرأي العام التضحيات الشجاعة التي أهلتنا لاستحقاق هذا الامتياز الخاص، الذي دفعنا وحثنا، كما يجب أن يكون الحث على اختيار، ورجاء الحصول على تعويض مستحق، بواسطة تنمية التهدئة، ونجاح الحماية في منطقة سلطتنا.

الروابط الخاصة التي تجمعنا مع الجمهورية الفرانسوية من أجل هدف مشترك تمديني جلي وأكيد، الذي يحقق كل يزم امتيازا وتقدما في ساحة العمليات المنجزة من قبل الشعبين في المناطق الخاضعة لحمايتهما بالمغرب.

الحكومتان الفرنسية والإسبانية تنفذان عمليات مستقلة طبق الاتفاقيات الموقعة من قبل كل منهما في تفاهم تام يسهل تنمية التهدئة، وما تتطلبه جهود البعثة من كل البلدين.

فيما يتعلق بالسياسة الإسبانية في هذا التقرير المتعلق بالمسألة المغربية، يجب الإشارة للمواجهة الحامية التي دارت في الجلسات بين جابريال مورا إبن القائد السابق لحزب المحافظين والجنرال بوركيت قائد فوج قوات الريف.

الأول صرح في محاضرة بدائرة المحافظين بمدريد من أجل شرح تدبير عمل والده كرئيس للمجلس في مليلية سنة 1909، صرح بأن وزيره اقترح فقط الاقتصار على الدفاع عن تلك النقطة دون التوغل للداخل، وأعطى المراسلة التي وجهها الجنرال ليران وزير الحرب للجنرال مريانا كمندار قوات العمليات وهو اليوم مقيم عام بالمغرب، الذي يريد الحصول على نتيجة مفرطة في السرعة مخالفا لتعليمات الحكومة، فاحتل قصبة سلوان وخاض معركة دامية في 30 شتنبر في بني بفرور.

مكتب مورا صدق على هذا الاحتلال مؤقتا بعد نجاح فوج الطبوغرافيين في تجاوز واد كرت مثيرا الحرب الثانية في 1911 مثلما وقع بالنسبة لاحتلال تطوان السابق لأوانه، مما حرض على عودة ظهور النزاع المعتاد.

لكن الجنرال بوركيت كتب معترضا في مقالة نشرت في “هرالد مادريد” على مزاعم كابريال مورا فيما يخص ما وصف بالتسرع والإفراط في الطموح والتوغل العسكري الذي ووجه بضراوة، وهي مزاعم تحاول إحياء بولميك عالم البرلمانيين وقطاعا من الجيش لغاية هذه النتيجة التي لم يكن لها عواقب.

العمليات العسكرية

تواصل رداءة أحوال الطقس في هذا الفصل منذ يناير 1914 عرقل العمليات العسكرية في جبالة، بالرغم من ذلك تم تسجيل عدة معارك عنيفة بين فاتح يناير ويبراير حول تطوان.

فوج القوات الأهلية للجنرال برينكور مدعوما بقوات الجنرال طوريس أرزوزا قام بتنفيذ عملية استطلاع لكل من: ملاليين، قليلا، بني سالن على واد شيشيرا شمال تطوان، فهوجم بضراوة قتل على إثرها كوماندار، وليوطنين، وأربعة ضباط صف أوربيين، و16 جنديا أهليا، وجرح قبطان وليوطنين، وثلالة سوليوطنا، وخمس ضباط صف أوربيين، و20 جنديا أهليا.

وقد تعرضت العملية لنقذ كبير من الصحف الإسبانية، التي عزت ارتفاع الخسائر السالفة لإخفاق أبراج المراقبة المنبتة حول تطوان في القيام بوظيفتها، رابطة بين هذا الإخفاق ومثيله في كوبا، متسائلة كيف لم تقدر قوات مكونة من 50.000 جندي تأمين التنقل في طريق لا يزيد طوله عن 40 كلم؟

منذ هذه المعركة التي فقدت فيها الحركة 200 رجل، ساد الهدوء على الجبهات في ناحية جبالة، في حين تم تسجيل بعض المناوشات والهجمات الأقل دموية ضد المراكز الإسبانية باستثناء ما وقع قرب مولاي بوسلهام بالغرب يوم 18 يبراير حيث قتل ليوطنا وجنديين بمركز الاحتلال هناك.

من أجل متابعة الاحتلال أقدم سرب الطائرات -السابق الحديث عنه- بإنجاز غارة ناجحة في 22 يبراير على معسكر المتمردين بكدية زريد قرب أصيلا بعدما قام الثوار بدء من منتصف نفس الشهر بالتفاف حول تطوان إلى أن أصبحوا في 20 منه على بعد 200 متر من أسوار المدينة، وشرعوا في نصب الكمائن لدوريات المراقبة فسقط في إحدى الكمائن ليوطنا جريحا.

يوم 24 قام الثوار بهجوم على دار بن قريش سجل فيه ثلاثة جرحى، يوم 8 مارس تم تسجيل هجوم آخر على برج قرب كدية فيديريكو جنوب سبتة جرح فيها ليوطنا وثلاثة جنود وقتل رجل، وأخيرا يوم 14 مارس نصب كمين جديد لدورية قرب سبتة فقدت فيه قائدها ومعه ثلاثة جنود جرحى.

في هذه الأثناء أعلن الثوار عزمهم على مهاجمة موقعي اللوزيين شرق الحسيمة بعدما تقووا بحركة الحسيمة التي تتوفر على مدفع حصلوا عليه من المقنبلة كوتشا التي غرقت قرب المدينة، وذلك من أجل قنبلة الخنادق الإسبانية، لكن مدى رميه كان قصيرا غير مؤثر.

البطريات الإسبانية بدورها قامت بقنبلة عنيفة لدوار بوسلام المتوقع نصب ذلك المدفع فيه، وتروي الأخبار بأن حركة دار بن قريش أصابها الإحباط نتيجة ارتفاع عدد قتلاها والخلاف الذي ذب بين الرئيس سيدي حسن والقائد سيدي السوكان، لكن ذلك الخبر لم يؤكد لأن هجماتهم مع الأسف لم تقل وما تزال متعددة.

تواصلت خسائر الإسبان عن طريق استخدام الثوار الكمائن ضد تحرك الدوريات على مختلف المحاور؛ ففي يوم 4 أفريل قرب واد نكور سقط 5 قتلى وأربعة جرحى، ويوم 5 منه قرب سبتة قتل لهم ليوطنا وجرح كابورال، وأخيرا في لوماس أميريا قرب تطوان قتل ثلاثة وجرح ثمانية.

في الغرب أخبر بأنه في 8 مارس وقعت معركة قرب الحدود مع طنجة بسيكدلا، وهوجم مركز شرطة تاكيدة حيث ترك خمسة جرحى، ويوم 9 هجوم آخر على مركز كدية عباد ترك قتيلين وثلاثة جرحى.

هذه الهجمات تمت حول سيكدلا التي سيمر منها خط السكة الحديدية الرابط بين طنجة وفاس، وذلك من أجل عرقلة إنجاز تلك الأشغال بالسرعة المطلوبة، وإظهار سلفستر بمظهر العاجز عن حماية العمال والأشغال.

الكومندار العام للغرب التمس في 24 مارس رخصة راحة، توجه فيها لمدريد من أجل التباحث مع مختلف المسؤولين حول ما يمكن عمله لتحقيق التهدئة بناحية الغرب مستقبلا.

والخلاصة أن المعادين قد خففوا مؤخرا من تحركاتهم في الشمال الغربي من المنطقة الإسبانية، بيد أن هذا لا يعني أنهم غير مستعدين للتصعيد مجددا بالرغم من إعلان الناطق الرسمي الإسباني بأن هناك اتفاقا يجري مع الريسولي من أجل إعلانه الخضوع، وهو عكس ما يجري على جبهة الريف.

سياسة التهدئة سجلت نجاحا جديدا، حيث وقع كوميرا مع القبائل المجاورة لمسطاسا: انتيفا وبقيوا اتفاقا بعدم المهاجمة المتبادلة، لكن في 12 مارس تعرضت مليلية لنكبة إعصار قوي دمرت فيه معدات تشييد الميناء، وألقي بها في البحر مما سيؤخر إتمام الأشغال لمدة سنين طويلة، كما تم إعطاب 35 باخرة كانت في الميناء، وتم إنقاذ 140 من الركاب بفضل تدخل البحارة المتواجدين ساعة بداية الإعصار، وقد جرح من جراء ذلك العمل 13 بحارا بما فيهم قبطانهم.

كما خربت المعسكرات المحيطة بالميناء، وجرح عدد من الجنود، وقد قدرت الخسائر الناجمة عن ذلك بحوالي 15 مليونا، وقد وصف الحاكم الجنرال جوردان ما وقع في تقريره بأنها كارثة حقيقية.

المقيم العام الجنرال مريانا زار مليلية يوم 24 مارس على متن الطراد كاطالينا، حيث توجه يوم 27 لمعاينة الخسائر والأضرار الناتجة عن الإعصار، كما زار كل من مراكز سلوان وزايو وازغنغان، واستقبل رجال قياد الفخذات الخاضعة لبني بويحيى، مسطاسا، وبني بوكافر، وأولاد استوت، بني سدال، صحبة الجنرال جوردان كومندار الناحية.

هذا الأخير قام بالمناسبة بترتيب لقاء للتعاون مع القادة الفرنسيين المجاورين في الجنوب تنفيذا لنتائج زيارة ليوطي لمدريد، وهكذا تم اللقاء في مشرع الصفصافة على نهر ملوية بين المسؤولين الفرنسيين بالناحية: الجنرال بومكارتي الذي جاء من وجدة عبر بركان، وقائد أركانه الكولونيل لوكرين، والكولونيل رونو كومندار دائرة بني يزناسن، و25 ضابطا فرنسيا آخر.

وقد تباحث الجنرالان ماريانا ومن معه وبومكاتي ومن معه في القضايا الخاصة بالمنطقتين، ومسألة احتلال تازة، وبعده انتقل الجميع لمركز زايوا حيث أقيم استقبال للوفد الفرنسي.

(إفريقيا الفرنسية 1914م).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *