رؤوس مسلمي نيجيريا.. تحت المقاصل الصليبية إعداد: عابد عبد المنعم

لا يزال المسلمون في نيجيريا على موعد متجدد مع الآلام والأحزان التي تتسب فيها بين فترة وأخرى إما صدامات مع قوات الجيش والشرطة، أو مواجهات مع النصارى المتطرفين الذين يحاولون استفزاز المسلمين من أجل عرقلة أية مساع لتطبيق الشريعة الإسلامية.
لقد سقط على مدار الأيام القليلة الماضية قرابة 1000 قتيل من المسلمين الذين يعيشون في مدينة جوس النيجيرية خلال أعمال عنف ارتكبها نصارى بتحريض من جماعات صليبية حريصة كل الحرص على حرمان مدينة جوس من قدوم المزيد من السكان المسلمين إليها.
واستيقظت مؤخرا مدينة جوس لتشهد مراسم دفن جماعي لرفات المئات من الضحايا المسلمين الذين سقطوا في الاعتداءات الغادرة وسفكت دماؤهم بدم بارد في شوارع المدينة بلا أدنى قدر من الشفقة أو الرحمة، وذلك تحت سمع وبصر السلطات المحلية التي لم تتدخل إلا بعد أن سالت الدماء المسلمة منهمرة في الطرقات.
وحتى تتضح ملامح الأزمة الحالية في نيجيريا دعونا نستنطق التاريخ عساه يخبرنا قليلا عن تاريخ هذا البلد فنفهم حقيقة ما يحدث هناك.
فقد دخل الإسلام نيجيريا في أوائل القرن العاشر الميلادي على يد فقهاء الأندلس، وقامت قبائل الهوسا التي تنتشر فى الشمال الغربي الأفريقي بدور كبير في نشر الإسلام هناك وخاصة في شمال ووسط نيجيريا، حتى تكونت في عام 1804م (خلافة سوكوتو)، قادها عثمان دانفودو ووحد بها شمال نيجيريا بكامله تحت رايته، وحكّم الشريعة الإسلامية، واستقر له الأمر بشكل كبير فى عام 1893م.
فى حين ظل النصارى يشكلون في الجنوب نسبة كبيرة مع تواجد أقلية مسلمة (تعداد السكان حاليا 150 مليون نسمة يمثل المسلمون منهم أكثر من 65 %).
ثم كانت الطامة الكبرى بقدوم الاحتلال البريطاني في 1900م الذي عاث في البلاد فسادا، وحارب الدولة الملسمة وأحل القوانين البريطانية محل الشريعة الإسلامية في كافة الميادين، وتحولت الشريعة الإسلامية مع نهاية الاحتلال إلى خبر كان، ولم تعد تذكر إلا كجزء من التراث فحسب!
وبعد ذلك حرص الاحتلال البريطانى عندما أوشك على الرحيل سنة 1960م على إعطاء النصارى نفوذا كبيرا، إلى حد أن جعل رئيس نيجيريا ذات الأغلبية المسلمة نصرانيا!
ظلت أوضاع المسلمين في نيجيريا تتجه للأسوء نتيجة المصادمات العنيفة التى كانت تحدث بين الدولة والمواطنين المسلمين الذين يطالبون بتحكيم الشريعة الإسلامية واسترجاع حقوقهم المسلوبة في إدارة الدولة وفي مجال الخدمات، وفاقم من حدة التوترات تعدد القوميات العرقية والقبيلة.
وفي مطلع 1999م حدث تغير نوعي بتسلل الحكم من يد الجيش والسماح للولايات بتطبيق القوانين الخاصة بها، مما سمح للولايات الشمالية بالبدأ فورا في تطبيق الشريعة الإسلامية، حتى أصبحت هي القانون الأساسى لجّل الولايات الشمالية تقريبا (أكثر من 12 ولاية شمالية طبقت الشريعة)، مما أثار حفيظة النصارى خشية أن تمتد المطالبات بتطبيق الشريعة إلى الولايات التي تقع تحت النفوذ النصراني، ودارت مواجهات دامية بين الطرفين.
ولم تكن الأسباب الدينية أو القبلية فحسب هي المسببة للتوتر، ولكن الفساد الهائل المستشري في كافة مؤسسات الدولة جعلها من أكثر دول العالم فسادا واحتكارا للثروة والسلطة في يد فئة محددودة للغاية، إضافة إلى الفقر الشديد والمدقع لأغلب السكان (أكثر من 100 مليون نسمة تحت خط الفقر!) علما أن نيجيريا هي أكبر منتج ومصدر للنفط في أفريقيا! (انظر مقال د. ممدوح المنير بوكو حرام.. حلال).
كان ذلك جزء من تاريخ نيجيريا، البلد ذو الأكثرية المسلمة، الغني بموارده الطبيعية والبشرية، البلد الذي شتت شمله الاستخراب البريطاني، ونشر فيه التعصب الديني ومكن الصليبيين فيه من زمام الحكم ومصادر الطاقة حتى يستفيد منها بعد مغادرت ترسانته الحربية تراب نيجيريا.
إن المذبحة الرهيبة التي نشرت صورها مؤخرا بعض المواقع والقنوات الإعلامية، واشتملت على مناظر بشعة تنم على الحقد الدفين وتنامي روح العصبية اتجاه الإسلام -إلى درجة أن بلغ الحد بأحد السفاحين القتلة المشاركين في المذبحة بأن طلب من أحد شركائه ألا يصوّب رصاصاته إلى رأس أحد الضحايا لأنه يريد الاستيلاء على قبعته!- ما هي في حقيقتها سوى عنوان يلخص حالة من حالات الكراهية والعداء الصليبي اتجاه الإسلام.
فالمشهد الرهيب الذي تابعه ملايين سكان الأرض ما هو إلا مشهد واحد التقطته عدسة كاميرة عابرة، أما ما خفي فهو أعظم من ذلك بكثير، وما يحزن المرء أن ما يحدث فى نيجيريا هو عينه ما يحدث في فلسطين والعراق وأفغانستان.. والفارق الوحيد ربما هو اختلاف الضحية ومكان التصوير.
فمتى نفيق من سباتنا العميق؟!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *