بعد منع ارتداء الحجاب في المؤسسات التعليمية الفرنسية، وسيرا على نهج الدولة العلمانية التركية، لم تنتظر الحكومة التونسية إلا سنة واحدة لتتقمص دور الببغاء، فتعلن رفضها ارتداء الحجاب في المدارس لأن هذا بزعمها يعيق تقدم البلاد ويرجعها إلى الوراء.
وبعد فتوى الشيخ “جاك سترو” في النقاب، تكلم عمدة لندن “كن ليفينغستون” فصرح في حديثه إلى “بي بي سي” قائلا إنه: “يرغب برؤية المسلمات تخلعن الحجاب يوما، إلا أن ذلك لا يمكن أن يتم فرضه من قبل سلطة تكون خارج الطائفة المسلمة”، وأضاف “إن رؤية النساء المسلمات تخلعن النقاب هو أمر يتمناه الجميع على الأمد الطويل بمن فيهم أنا، إلا أنه لا يمكن لرجل سياسي غربي فرض ذلك بل يجب أن يأتي هذا التغيير من داخل الطائفة، ما يحتم علينا التعامل بجدية مع القادة المسلمين التقدميين”.
وفي نفس السياق نقلت صحيفة “لوموند” عن مراسلتها الخاصة بالقيروان في تونس قولها: “إن الحجاب المحظور أصلا في الجامعات التونسية بدأ شيئا فشيئا يغزوها في السنتين الأخيرتين، بل أصبح كذلك يلاحظ داخل بعض الإدارات الحكومية”.
ونقلت المراسلة عن بعض المدرسات في تونس أنها لاحظت تحولا متزايدا في المجتمع التونسي اعتبرته مقلقا.. كما لاحظت أن عددا متزايدا من النساء اللاتي يحضرن حفلات الزفاف يضعن الحجاب، وأن المساجد تغص بالمصلين أيام الجمعة وأن صلاة الجماعة في البيوت تزايدت بشكل كبير.
كل هذا وذاك يدل على أن الحجاب ليس شيئا عاديا بل هو شعار إسلامي عظيم أقضَّ مضاجع الغَرْب ومن يسبح بحمده من العُرْب، مع أن الحجاب ليس سلاحا نوويا، ولا هو منصوص عليه في لائحة الأسلحة المحظورة، إنما هو قطعة قماش، تتستر بها القوارير، فما الذي يفزع القوم، ويقلق راحتهم؟
إن القضية ليست في قطعة القماش، وإنما فيما يحمله هذا اللباس من معان عظيمة، إنه يعبر عن الخضوع للملك الديان، إنه يمثل العزة والكرامة التي لا يتمناها لنا أعداؤنا، إنه يعبر عن رفض الإباحية والتفسخ الخلقي الذي أنفقت من أجله الصهيونية الأموال التي لا تحصى، إنه يعكر على الشهوانيين شهوتهم ، ويفوت عليهم فرصة الاستمتاع بالمرأة التي طالما ضحكوا عليها، وانتهكوا عرضها باسم التقدم والحرية، إنه يُذَكر القوم بأيام عزة الإسلام وقوته، ويخافون أشد الخوف من عودته؛ لأن التاريخ علمهم أن الإسلام يعلو ولا يعلى، وأن بداية رجوع المسلمين إلى الإسلام تعني بداية نهايتهم.
فيا أيتها المسلمة الحرة العفيفة، التقية النقية، الحجابَ الحجابَ، فإن له من المكانة والله أكثر مما تتصورين، وفوق ما تتخيلين، ويكفيك أنه تشريع الحكيم الحميد، فإياك وما يراد بك من السوء، واعلمي أن ما اختاره لك ربك خير مما تختارينه لنفسك، ولكأنك في حجابك الدرة المصونة التي لم تمتد إليها الأيادي القذرة، ولكأنك في عزتك الثريا المتلألئة، فلا تبيعي شرفك برُخْص، واعلمي أنك متى كشفت الحجاب هُنت، فإن الشيء إذا عم هان وسامه كل مفلس، واعلمي أنك متى تبرجت انطفأ نورك ، وهويت من بُرجك المنيع فانقضت عليك الذئاب الجائعة التي طال انتظارها لك، وتعبت من رفع رؤوسها إليك، تنهشك من كل جانب، فلا تتفرق عنك إلا وقد تركتك جيفة قذرة، وحينها تندمين ولات حين مندم، “وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ” (النور31).
ولنعم ما قال الشاعر:
تزهو الفتاة بعلمها وحيائها *** لا باللحوم وحدة الأظفار
فالصقر أشرف لو زهت بأظافر *** واللحم في الجاموس والأبقار