خطر النفوذ الإيراني في ظل غياب الوحدة الإسلامية (2/1) معاذ السالمي

نستعرض في هذا المقال جانبا من الوقائع والمؤشرات الدالة على سعي إيران لبسط هيمنتها على الدول الإسلامية، خاصة في منطقة الشرق الأوسط، مع ذكر بعض نقاط التفوق الإيراني، والتي تجعل من دولة الرافضة قوة مهددة لأمن واستقرار الدول المجاورة لها، لاسيما في منطقة الخليج العربي، كما نوضح بإذن الله (في الجزء الثاني من المقال) مكامن الخلل في التعامل مع التهديد القائم، ونختم ببيان السبيل الأنجع لدرء الخطر الشيعي المتعاظم.

ثورة الخميني والحنين إلى إمبراطورية الفرس الكبرى
مع قيام الثورة الخمينية سنة 1979، بدأ العمل بنشاط كبير لتصدير مبادئ الثورة بهدف تشييع دول الجوار، حيث جندت جمهورية إيران آلاف العملاء، تارة تحت ستار دعاة وطلبة علم، وأخرى تحت قناع مؤسسات العمل الخيري والتواصل الثقافي، وقامت بتوزيعهم في ربوع العالم الإسلامي، وخاصة في دول الخليج وبلاد الشام، وذلك وفق مخطط محكم يبدأ بنشر العقيدة الرافضية وبث تعاليمها في المجتمع، وينتهي بتشكيل ما يشبه اللوبيات الضاغطة المكونة أساسا من الفئات المستقطبة، والتي تشبعت بأفكار الثورة، فيتم توظيفها لخدمة الأجندة الصفوية، والعمل من خلالها على تمرير سياسات، وإحداث قلاقل وأزمات تفكك النسيج المجتمعي، والتماسك السياسي في تلك الدول، تمهيدا للسيطرة الكاملة عليها.
ولعل ما وقع بالكويت من أعمال تخريبية في الثمانينات دليل ملموس على تلك المؤامرة الرافضية، حيث بينت التحقيقات حينها أن الجهات المتورطة في تلك الفتنة على علاقة بفيلق القدس، وهو أحد أجنحة الحرس الثوري، كما لم يعد خافيا اليوم ذلك الدعم المادي والسياسي المكشوف الذي تقدمه إيران لمليشيا الحوثيين، تلك المليشيا التي قتلت العشرات من المدنيين الأبرياء بكل من السعودية واليمن، فقد كانت الأخيرة قد ضبطت باخرة محملة بأسلحة وعتاد عسكري إيراني الصنع موجه إلى تلك الفئة الضالة، فإذا أضفنا المحاولة الانقلابية الفاشلة بالبحرين قبل بضعة أشهر، مرورا بالاضطرابات والتحركات المشبوهة لرافضة المنطقة الشرقية بالسعودية في التسعينات، ناهيك عن الجزر الإماراتية المحتلة، فإن الصورة تكتمل لنرى من خلالها أفعى خبيثة تلبس لبوس الدين، وتسعى لتطويق دول الخليج.
وجدير بالذكر في هذا المقام الحديث عن سلاح “عقدة الظلم” المتجذرة في العقلية الشيعية، إذ أن عمائم الشيعة لطالما راهنوا على هذا السلاح الخبيث لتعبئة عوام الشيعة، وكذا استدراج السذج من أهل السنة، لذلك كانت كل الحركات الرافضية على مر التاريخ تعزف على هذا الوتر لبلوغ أهدافها؛ وتذكرنا هذه السياسة الدنيئة بصنيع اليهود في القرن الماضي فيما يسمونه بالهولوكوست، حيث استطاعوا إقناع العالم بأن الملايين منهم تمت إبادتهم في محرقة كبرى إبان الحكم النازي بألمانيا، ونجحوا بذلك في ترسيخ الشعور بالذنب لدى الغرب عموما، فهم إلى الآن يستفيدون من تعاطف ومساندة ليس فقط ألمانيا -التي تدفع لهم سنويا ملايير الدولارات كتعويضات على الهولوكوست!!- بل كل الدول الغربية، فلا غرابة أن يحذو الشيعة حذو اليهود، ما دام أن جد الرافضة هو ابن سبأ اليهودي.

العدوان على العراق.. رب ضارة نافعة
لقد بحت أصوات علماء ودعاة أهل السنة والجماعة من كثرة ما حذروا أولي الأمر في معظم بلاد الإسلام من التساهل -بله الثقة- في التعامل والتواصل مع دولة الروافض ومنظماتها، لكن أكثرهم كانوا يتغاضون عن تلك التحذيرات باعتبارها تندرج تحت باب “الصراعات المذهبية التي لا ينبغي -في عرف السياسة المعاصرة- أن تؤثر على العلاقات بين الدول”، وظل الأمر على هذه الحال حتى جاء العدوان الأخير على العراق، فاستيقظ أولئك المحترِمون للآداب الدبلوماسية، واكتشفوا -أخيرا- الوجه الحقيقي لشيعة إيران، لكن، ويا للأسف! ما رأينا موقفا صائبا في مواجهة الحكومات العميلة لطهران، الممسكة لزمام السلطة ببلاد الرافدين منذ سقوطها بيد الأمريكان سنة 2003، بل إن جامعة الدول العربية تعتزم عقد قمتها المقبلة بالعراق، وهو ما يدل على اعتراف عملي بحكومة القاتل المأجور نوري المالكي الذي لا تزال يداه ملطختان بدماء أطفال ونساء العراق، مثلما لم تهدأ عاصفة وثائق “ويكيليكس” التي وضعت النقاط على حروف المأساة الفظيعة التي ألحقها الحقد الرافضي بعراق الإسلام، تلك الوثائق التي كشفت سوءة المتاجرين بدماء وأعراض أهل السنة الذين يُفترض -وهنا المفارقة- أن تحميهم جامعة مكونة من دول سنية!!
لكن الحدث الأبرز بعد الغزو الأمريكي الصفوي للعراق، هو ذلك التراجع شبه الجماعي لأولئك المحسوبين على أهل السنة والجماعة، الداعين إلى التقريب بين السنة والرافضة، فقد تحولت بوصلة أكثرهم بعد العدوان الغاشم عن تأييد إيران وموالاتها، فهذا يوسف القرضاوي يعلن بأعلى صوته بعدما رأى -وليس من رأى كمن سمع- المذابح المروعة التي تعرض لها أهل السنة بالعراق على يد عصابات إيران، أن النظام الشيعي بطهران يشكل خطرا على الأمة الإسلامية، هذا كلام القرضاوي الذي كان يتزعم الندوات والمؤتمرات الداعية إلى التقريب..، بل إن تنظيمات إسلامية كبرى تُحسب على أهل السنة تراجعت هي الأخرى عن التطبيل لنظام الملالي، فحركة “الإخوان المسلمين” تخلت عن المدح والثناء على دولة الرافضة، بعدما كانت تستلهم من التجربة الخمينية قواعد وأساليب مواجهة خصومها.
صحيح أن هذا التراجع -وتَنبُّه حكام الدول الإسلامية- جاء متأخرا، لكن كما يقال: أن تأتي متأخرا خير من أن لا تأتي مطلقا.
في العدد القادم بإذن الله نتطرق للحديث عن نقاط الضعف، والأخطاء التي وقعت فيها الدول الإسلامية في تعاملها مع مساعي إيران للهيمنة على المنطقة، لنخلص إلى بيان سبل المواجهة في ضوء أدلة الشرع، ومعطيات الوضع القائم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *