إن امتهان صنعة الإنكار والرد على إفك الأفاكين لا يعني في أحيان كثيرة أن المخالف موجود وجودا يهدد ديننا؛ أو يوشك أن يأتي باطله عن حقنا؛ كما لا يعني أننا نخاف هذا المخالف خوف الحمر المستنفرة من زئير قسورة؛ أو أنه اكتشف ثغرة مخوف في عقيدتنا فنسارع لرتق خرقها لنحجبها عن أعين الناقدين مخافة التنقيص والشماتة.
إننا لا نحبر ردا إلا خوفا من أن يتكلس الحبر في جعبة قلم التدافع وحتى لا تضيع مادة الغيرة المتخمرة بين تجاويف القلب النابض بنعمة الانتماء إلى هذا الدين العظيم؛ وحتى لا تتعطل في دورة سعينا أجل عبادة نتقرب بها إلى الله معذرة له ورجاء أن يعود الاعوجاج إلى الاستقامة والإقعاد الزائغ إلى سبيل الله القويم، عبادة إنكار المنكر واستئصال شأفته والإتيان على بنيانه الضرار بسلاح الحكمة والجدال بالتي هي أحسن المشمولين بأدب الموعظة الحسنة واللسان الرطب؛ والقلم الصلب الذي يدفع شبه الضالين وزيغ الزائغين عن الحق الذي جاء به نبينا محمد عليه الصلاة والسلام؛ فنقل به البشرية من الشر والجاهلية إلى الخير والفاعلية.
وها هم بعض أبناء هذه البشرية يوثرون اليوم الرجوع على علم واستيقان إلى هذا الشر وتلك الجاهلية؛ فعلى جحود وعناد يوثرون عقيدة كسيلة وخرافة شيشونغ على تركة إسلامنا البيضاء التي بلغ فيها الإعجاز أن كان ليلها كنهارها المتخلف عن ركوب سفينتها موعود بالهلاك غرقا بين أمواج الشهوات المردية ولجة الشبهات القاتلة.
هذا وقد جاءني أحد الإخوة الغيورين بمقال للمدعو أحمد عصيد بعنوان “الأب نويل في بلاد المسلمين” فتصفحته مع سبق إصرار وترصد لسوالف الرجل الخبيثة ومواقفه المقيتة من الإسلام والمسلمين؛ فإذا بالمقال ناضح بمحطوب الليل الذي زكى فيه صاحبه كل نحلة شاردة؛ وملة مارقة؛ وعقيدة خرافية؛ بدء بلحية نويل البيضاء وابتسامته الطيبة ولباسه القطني الأحمر، ووقوفا عند تكالبه مع ما أسماه بهذيان التعصب الوهابي المقيت الغريب عن ثقافة الشعب المغربي؛ مع صب جام البغض والعضب على معتنقيه الذين بزعمه أرادوا أن يخضعوا الكل لنمط حياتهم التي لا تستحق أن تعاش ولو لدقيقة واحدة، فلم يسلم من رقن الرجل حتى من سماهن “مرشدات السيد أحمد توفيق” فكاد يلبسهن تهمة الإرهاب؛ وهن اللواتي حسب تعبيره المتحامل أجهدن أنفسهن لإقناع النساء بعدم شراء الحلوى على غرار ما يقع مع السنة الهجرية التي لا يشعر برأسها أحد، فهي كما قرر سنة نكد وذكرى ضعف وبكاء على ماض سحيق وحديث عن النار والعذاب ودعاء على أحبابه من اليهود والنصارى.
وتتناسل الكلمات ويخلص إلى إعمال مقارنة بيننا وبين غرانيقه من أهل الصلبان فيسهب في الكلام عن شجرة الأرز وعن الحلوى والألبسة الفخمة والألوان الزاهية والشرب والرقص على إيقاع الموسيقى الحضارية وبغير شعور؛ يتسلل لواذا إلى محرابنا فيقول بينما نحن نأتي بالأكباش والأبقار ونسعى إلى قضاء أعيادنا في الوعظ والتوغد والصلاة على قارعة الطرق وإرسال اللحي الكثة المقززة التي لا تشبه لحية أبيه نويل البيضاء الناعمة؛ وبينما ترفل نساءهم في ألبسة العري والسفور نحوِّل نحن نساءنا إلى خيام متنقلة مغشاة في ألوان داكنة، ثم يتساءل عن الخلفية الكامنة وراء هذه الفروق أهي خلفية نص أم خلفية فهم؟ ليجيب على جناح السرعة أنها خلفية نصوص الإيمان.
لازمه إطفاء جذوة الحضارة واغتيال روح الإبداع ولازم لازمه ضرورة الاحتكام إلى القوانين الوضعية كبديل ينشر الاحترام بين الناس في إطار المساواة في حقوق وواجبات المواطنة بغض النظر عن اللون والأصل والعقيدة؛ ومن هذه الإجابة تظهر بواعث الرجل الكامنة وراء تهجمه باسم الأب نويل إذ أن القضية ليست قضية حلوى وشموع ولحية وقناع قطني أحمر؛ بل هي قضية إيقاد العداوة ضد الهوية التي تملأ نعرته الأمازيغية جزء هاما من التبريرات وراء هذا الإيقاد ضدها؛ فمهما استطاع الرويبضة أن يخفي مراميه المدخونة وراء أكمة عويله ونياحته على الحرية والإنسانية فإن موضوع القصف لا يمكن أن يخفيه ضميره المنفصل “نحن”.
فكما أن عواء الوحش لا تضمر حاجاته ولا تطوى أغراضه فكذلك شقشقة عصيد لا يمكن تسويغها في قالب غناء منغوم حالم بوثنية جديدة يتحرك في فلكها السلوك الإنساني المعاصر حرا طليقا يعب من الرذيلة ما يبغي؛ ويستنشق من ريح الفضيحة ما يكفي لدك الخلال السامية؛ ونقض الفضائل العلية؛ فهو وإن كنى واستعار واختال ومال تبقى قضيته واضحة المقصد: الإجهاز على العقد الثمين الذي تزين به العروبة نحر وجودها فيطول به جيدها حاملا هامة العز والتمكين بين الأمم عقد الإسلام وميثاق الإيمان، فيا للعجب أن يشير بمجازه السافر إلى شعيرة النسك؛ ثم يعمد إلى مقارنتها بشجرة الزقوم وتناميقها متغاضيا في الباب عن ذكر لعبة مصارعة الثيران الإسبانية؛ حيث تنتهك حرمة الحيوان تحت مكاء وتصدية المعجبين من رواد الإنسانية!
ويا للغرابة أن تأخذه العزة بالإثم على الوعظ والصلاة على قوارع الطرق مع تغافله عن قعقعة الطائرات الحضارية القاذفة لأصناف الحرق والإبادة لمعشر المستضعفين من أهل التوحيد!
ويا للعار والشنار أن يعمد إلى نبز فضيلة الحجاب مع التربيت على نحلة العري بجارحة الدياثة متغافلا عن ذكر ما وصلت إليه المرأة في الغرب من تبضيع وتسليع؛ وهي التي توضع في حاويات زجاجية ليكفلها طلبا ودفعا زبون السفَّاح المتحضر.
ولأن شعيرة النسك والحجاب واللحية الكثة ودعوة الناس إلى الحق هي كلها خصال الفطرة السوية التي جاء بها نبي الإسلام ودعا الناس ليدخلوا في ميثاقها أفواجا أفواجا فإن أي عملية تعرية لأنبازك المقيتة يجعلك في مواجهة مع سيد الخلق الذي نحب أن نهديك شهادة في حقه ليس من لفيف موسى بن نصير وطارق بن زياد، فقبلتك غير قبلتهم لكننا اخترنا أن نهديك بالتقويم الهجري شهادة ميلادية لرجل من أهل عالمك السحري المأمول شهادة يقول فيها برنارد شو عن سيد الخلق: “لقد طبع رجال الكنيسة في القرون الوسطى دين الإسلام بطابع أسود حالك إما جهلا وإما تعصبا، إنهم في الحقيقة كانوا مسوقين بإحساس واحد هو بغض محمد ودينه وهم يقولون إن محمدا عدو للمسيح، ولقد درست سيرة محمد الرجل العجيب وفي رأيي أنه بعيد جدا عن أن يكون عدوا للمسيح إنما ينبغي أن يدعى منقذ البشرية”.
فهذه كلمة حق هدي إليها رجل من فئام هي أضل من الأنعام؛ بينما ضل عنها المتعصبون من اللئام الذين امتحنوا أيام الصبا في مادة استظهار القرآن فجاءهم التنكيس بالنسيان والعصيان فالله المستعان وكل عام هجري والمسلمون بخير وأمان.