خطر النفوذ الإيراني في ظل غياب الوحدة الإسلامية (2/2) معاذ السالمي

نواصل الحديث في هذا العدد عن خطر النفوذ الإيراني، بعد أن أوضحنا في العدد السابق صورا من مساعي دولة الرافضة للهيمنة على الدول الإسلامية، وبعضا من نقاط القوة التي ترتكز عليها تطلعاتها التوسعية؛ وحديثنا في هذه الحلقة الثانية والأخيرة عن أوجه الضعف، ومعالم الإخفاق في التصدي لمحاولات الاختراق الشيعي للمجتمعات السنية، ثم ننهي المقال بإبراز العوامل الكفيلة بتجنيب الأمة خطر الوقوع في شباك التشيع.

خطأ حكام المسلمين الذي استفادت منه إيران
بعد تفجيرات 11 شتنبر التي قيل أن طالبان والقاعدة هما المسؤولان عنها، عملت الولايات المتحدة الأمريكية على تكوين تحالف عالمي ضد ما يسمى الإرهاب، وكان لعبارة: “من ليس معنا فهو ضدنا” التي قالها مجرم الحرب بوش الصغير تأثير بالغ في انقسام العالم إلى معسكرين: معسكر يرفع شعار “محاربة الإرهاب” بقيادة أمريكا، ويتشكل من غالبية دول العالم، ومعسكر يرفع شعار “دعم المقاومة”، وتقوده كل من إيران وسوريا بالأساس، وانضمت إليهما تركيا، فكان الخطأ الأكبر الذي سقطت فيه أغلب الدول الإسلامية هو مسارعتها إلى الارتماء في المعسكر الأول، خوفا من أن تُتهم بجرم لم تقترفه، بعد أن تعامل كثير من حكام المسلمين مع مقولة بوش الكذاب كما لو كانت قرآنا منزلا.
وقد وصل الانبطاح والخضوع إلى حد التوقيع بلا تردد على قانون دولي لمكافحة الإرهاب، قانون كتب بنوده الصليبيون الجدد، في الوقت الذي نرى فيه النظام الإيراني يستغل هذا الموقف المتهور، ليظهر مرة أخرى بمظهر المتمرد على الغطرسة الغربية عموما، والحريص على مصالح الأمة، مع أن واقع الحال -فضلا عن أدلة الشرع ووقائع التاريخ- يؤكد لكل عاقل أن الروافض هم الداعم الأكبر لمخططات الأعداء، والحليف الأشد إخلاصا للأمريكان ضد المسلمين وبلادهم ومُقدَّراتهم (العراق وأفغانستان نموذجا)، لكن الشيعة ببراعتهم في التمثيل، وقدرتهم الكبيرة على تزييف الحقائق لصالحهم، لا يزالون قادرين على خداع فئات عريضة من المجتمع السني، والأنكى من ذلك أن تجد من بين المنخدعين أناسا من علية القوم، مثقفين وكتابا ورجال فكر! ولا عجب، فالرافضة قوم تسعة أعشار دينهم الكذب.
كما أن عدة عوامل أسهمت في الجهل الكبير لدى كثير من المسلمين بخطورة عقائد القوم ومخططاتهم، وأيضا في إضعاف المناعة ضد كل ما يتهدد كيان الأمة بوجه عام؛ ولعل من أبرز تلك العوامل:
• عدم تطرق المناهج الدراسية في جل البلاد الإسلامية لبيان الأفكار المنحرفة والعقائد الباطلة عند الفرق والطوائف المخالفة لمنهج أهل السنة والجماعة، فتجد الحديث عن ذلك قاصرا عن إيصال الحقائق، ومقتصرا على ذكر شواهد وأحداث تاريخية توهم المتلقي بأن زمنها ولى ولم يعقب، وأنها ارتبطت بسياقات تاريخية حضارية لا مكان لها في وقتنا الراهن.
• تمييع عقيدة الولاء والبراء لدى فئة الشباب خاصة، وذلك من خلال السماح بالغزو الفكري الغربي، واستنساخ التجارب التربوية من دول الغرب والشرق الغارقة في أوحال المادية والإلحاد، حتى أصبح شباب الأمة -إلا من رحم الله- تائهين لا هوية لهم، قد ساءت أخلاقهم، وانتكست فطرتهم، تتقاذفهم الأهواء، فلا يعرفون معروفا ولا ينكرون منكرا؛ ولا ريب أن تلاشي الحس بالمسؤولية، وفقدان القدرة على مقاومة الأفكار الدخيلة، وترك الاهتمام بقضايا الأمة والعمل على نهضتها، والانصراف عن السعي لتحقيق مصالح الأمة عامة إلى العمل على تحقيق المصالح الشخصية الضيقة، كلها عوامل تؤدي -لا محالة- إلى انهيار الأمم وسقوط الحضارات، إذ أن قيام أمة من الأمم إنما يكون بسلامة أفرادها من كل تلك الآفات الاجتماعية.
• عدم صياغة رؤية استراتيجية على المستوى الرسمي، لحفظ ما تبقى -بعد مؤامرة سايكس بيكو- من تماسك عقدي لدى الأمة في وجه كل الموجات الفكرية الوافدة، ولاشك أن من المصائب التي جرها التيار العلماني التغريبي على هذه الأمة، ما يسمى بالدولة المدنية، فلا فرق بين مسلم ويهودي ونصراني وبوذي وملحد إلا بالإخلاص للدستور العلماني، فالكل مواطنون، أما الفوارق العقدية فذابت في مواثيق حقوق الإنسان والحريات الفردية، فلا يزال بنو علمان يسعون علناً إلى تحقيق هذه الأهداف اقتداء بالغرب؛ حتى يقول ويفعل ويعبد من شاء ما شاء، وقد كان من ذلك ما كان في بعض الأمصار والله المستعان.
وبعد.. فما الحل؟
إن أول خطوة على طريق تصحيح أخطاء الأمة في مواجهة الأخطار المحيطة بها، تتمثل قبل كل شيء في إدراك مدى الضعف والوهن اللذان وصلت إليهما الدول الإسلامية، في مقابل التفوق والقوة اللذين يتميز بهما الأعداء، ولابد من الاعتراف بالتقصير الكبير الذي طبع سياسة الأنظمة الحاكمة في المنطقة العربية، في إدارتها للصراع -خاصة العقدي- مع جار لم يُخْفِ نواياه التوسعية منذ قيام ثورته، ولا زال يعمل حثيثا على نشر أفكاره الخبيثة، وينفق الغالي والنفيس في سبيل التمكين لأفكاره وجمعياته ومؤسساته المشبوهة، والتي تعمل كأطراف أخطبوط يتحايل للإجهاز على فريسته.
ولابد -ثانيا- من العمل (على المستويين الرسمي والشعبي) على توعية الأمة بأهمية الوحدة، وترسيخ قيم الانتماء والولاء للدين والوطن، والبراءة في المقابل من كل ما يضر بمصالح المسلمين، أو يمس وحدتهم، أو يعين على تدمير حضارتهم.
يتوجب الخروج من دائرة ردود الفعل الظرفية، إلى المبادرة بالعمل المتواصل على صياغة المواقف واتخاذ الخطوات الكفيلة بحفظ تماسك المجتمع الإسلامي، حتى نتخلص من حالة الغثائية، وحتى لا نقول يوما: “أُكِلنا يوم أكل الثور الأبيض”.
لابد من دعم صمود أهل السنة في البقاع المحتلة من قبل إيران وباقي الدول المعادية للمسلمين، لأنهم إخوة لنا من واجبنا نصرتهم، ثم لأنهم خط الدفاع الأول، والذي ينبغي لنا جميعا أن نوقن بأن سقوطه يعني بداية الانهيار أمام المد الفارسي الزاحف.
وصدق ذو النورين رضي الله عنه حين قال: “إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن”، فموقف سياسي حازم يردع أطماع الدولة الصفوية، أو دعم للمدافعين عما تبقى من شرف الأمة بالعراق وأفغانستان أو غيرهما من البقاع المسلوبة، أقوى من آلاف الخطب والمواعظ، وأبلغ من كل الكلمات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *