لقد أدت المقاومة التي واجهت الإنزال الفرنسي واحتلال الشاوية وما واكب ذلك من فضائع أثناء تقدم الجيوش الفرنسية نحو الرباط شمالا وسطات جنوبا؛ إلى موجة من الاستنكار والاحتجاج داخل فرنسا، وخاصة من المعارضة الاشتراكية بالجمعية الفرنسية؛ سبق أن أشرنا إلى جوانب منها. معتمدة على خسائر الجيوش الفرنسية في الأرواح والمعدات، مما أدى إلى زيادة الإنفاق والعمل على إيجاد حلول لذلك الأمر الذي أدى إلى إرسال لجنة لمعرفة ما يجري على الساحة ضمت الوزير المفوض بطنجة رينو والجنرال ليوطي قائد الجيوش بوهران، الذي أشرف على احتلال وجدة بخسارة أقل ووقت أقصر مما حدث في الشاوية.
وقد أوردت جريدة لسان المغرب في عددها 129 المؤرخ في 20 ماي سنة 1908 خبر ذلك بقولها: بعد ظهر الإثنين الماضي (15 ماي) الساعة 6، سافر حضرة الوزير مسيو رينو على البارجة “ديسيكس” قاصدا الدار البيضاء. وبمعيته القبطان غيو ومسيو يوريك وكان الجنرال في انتظار جنابه على الدراعة المذكورة.
وفي عدد 28-30 مارس 1908م أوردت نفس الجريدة خبرا من الدار البيضاء جاء فيه: “نشرت إحدى الصحف نبأ جاءها من الدار البيضاء مفاده: أن زعماء قبائل لمزامزة وامزاب وزناته وأولاد سعيد وأولاد حريز قد قدموا الطاعة، وأبرموا الصلح مع الفرنسيين ما عدا قبائل المداكرة والزيايدة وأولاد سيدي بن داودو غيرها الذين ما زالوا مصرين على المقاومة.
وسيذهب الجنرال ليوطي عما قليل ليتفقد بعض المراكز كمركز مديونة وابن الرشيد وفضالة وبوزنيقة.
* قال أحد الرواة الذين حضروا معركة 15 ماي؛ أنها كانت معركة شديدة، خسرت فيها القبائل عددا كبيرا من رجالها، أما النساء والأولاد فالتجأوا إلى زاوية هناك كان يخفق عليها العلم الأخضر، فلم تمسها الجنود الفرنسية لكنها أحرقت الدوار المحيط بها؛ يعني ما يزيد على 1500 خيمة.
وجاء منها أيضا أن المذاكرات جارية يوميا بين حضرة الوزير مسيو رينيو وكل من الجنرال ليوطي والجنرال دماد في شأن الحالة الحاضرة. وقد أعرب الجنرال ليوطي عن ارتياحه العظيم من الإجراءات التي قام بها الجنرال دماد مؤخرا في الشاوية”.
كما جاء من آسفي بتاريخ 19 ماي أن رجلا فرنسيويا يدعى مسيو شارل جوردان وقرينته وصلا إلى هناك في هذه الأيام، ولم يلبثا أن يرحلاها قاصدين محلة مولاي عبد الحفيظ في وادي أم الربيع.
وفي عدد 31/3 بتاريخ أبريل 1908 أوردت نفس الجريدة الخبر التالي من الدار البيضاء “بناء على التحقيق المدقق والبحث المستقصي الذي أجراه حضرة الوزير مسيو رينيو والجنرال ليوطي بالاتفاق مع الجنرال دماد ومسيو ملبرتوي قنصل فرنسا في الدار البيضاء، قد تقرر لديهم وجوب إقامة مراكز حربية صغيرة في سطات ومديونة وابن الرشيد وفضالة وبوزنيقة، وقد أرسلوا بيانا مسهبا إلى الحكومة الفرنسوية في هذا الشأن مرتئين أن تأمين السلم في بلاد الشاوية ودوام طاعة القبائل لا يحصل إلا بهذه الواسطة الوحيدة.
وفي نفس الصدد بتاريخ 28 ماي 1908 أوردت “تحركت الجيوش الفرانسوية المعسكرة في دار برشيد وفي مديونة قاصدة أراضي المداكرة تعززها العساكر التي وصلت مؤخرا إلى الدار البيضاء ومجموعها 8000 رجلا تحت قيادة الجنرال دماد، وكان موعد ملتقاها في أولاد عياطة وقد ضربت خيامها هناك لتستريح قليلا قبل مباشرة العمل.
وجاء منها أيضا أن مولاي عبد الحفيظ أرسل إلى مراكش حريمه وأمتعته تأهبا لعبور وادي أم الربيع. وقد اختلفت كل الآراء في ما إذا كان ينوي ملاقاة الجنرال دماد أو الذهاب إلى فاس.
وصلت إلى الدار البيضاء من التاريخ نفسه الباخرة “جيرونديل” آتية من داكار تقل 500 جنديا سنغاليا يصحبهم 150 امرأة و80 ولدا.
وفيها أيضا: يؤخد من البيان الذي قدمه مسيو دومير إلى البرلمان الفرنسوي أن فرنسا خسرت في المغرب إلى غرَّة مارس الماضي 99 قتيلا منهم 9 ضباط، و311 جريحا منهم 19 ضابطا و20 بحارا بين قتيل وجريح وبلغت مصاريفها إلى غرة مارس 761 144 22.
وعلاقة بما سلف نحيل على الرسائل التي بعث بها الجنرال ليوطي المشار إليها كتقرير عن الوضعية بالشاوية والاقتراحات المنوّه بها وفي ما يلي بعض منها:
بعث الجنرال ليوطي رسالة إلى وزير الحرب جاء فيها:
الدار البيضاء في 23 مارس 1908.
بعد المعلومات التي توصلت إليها بعد 5 أيام فإن الوضعية العامة هي كالتالي:
أن الجنرال دماد مصمم العزم على متابعة منهجية برنامج زجر ومعاقبة المجموعات المعادية وملاحقتها بالتالي في الساحل الشمالي الغربي وبعدها مرّ إلى المداكرة ومزاب من أجل الوصول إلى الجنوب الشرقي حيث خاض معركة 15 مارس الجاري بزاوية الوريمي.
النجاح المتزايد لهذا الزجر والعقاب وخاصة في العمليتين الأخيرتين أبرزا على الأخص إمكانية إزاحة الوضعية الحالية وجعل الحالة السياسية الجنينية مقدمة على القوة إذا ما استحضرناها بقوة عن طريق الجنرال دماد.
الاتفاق بين وزير فرنسا والجنرال دماد أرى أنه توضح كمدخل لنشر الأمن في زناته ومديونة وأولاد زيان وأولاد حريز وأماكن أخرى.
هناك طرق كثيرة يمكن أن تؤدي إلى التهدئة سواء بشكل فردي أو جماعي في أنحاء الشاوية. وقد ظهر ذلك بجدية ووضوح أيضا في السوالم وشتوكة ولمزامزة حيث ظهر أنه بلغ إلى حد تهدئة كاملة عقب الحرقة السياسية التي التزمت بجدية في حين أن الباقي خاصة أولاد سعيد امزاب لمداكرة والزيايدة يلزمهم مزيد من الدفع الجاد نحوهم، وبالأخص انجازا عمليا لتواجد مؤقة عن طريق إيجاد مراكز عمل جهوية تكون أداة جذب للتهدئة وإعادة تشييد سلطة محلية حول المراكز المعادية”.
وقد أعاد تأكيد هذا التوجه في رسالة أخرى بعث بها إلى نفس الوزير جاء فيها:
الدار البيضاء 28 مارس 1908
تبعا لتقريري المؤرخ في 23 مارس الأخير 1908 بعد استعراض كل المعلومات تبين أن لمداكرة يكونون نواة صلبة وعصية حقا.
فرق أولاد زيان وأولاد حريز في سهل خاضع مما جعل الجنرال دماد يصر على العودة إلى قاعدته مع كل القوات التي رافقته لمعاقبة وتغريم المعادين وسيأمنوا حضورنا بالمركز الذي وضع هناك تحت إمرة الكولونيل براونلي كقائد مع مسؤول الشؤون الأهلية على ضمان وحماية عناصر إقامة النظام ومنع تقويضه من طرف العناصر المعادية.
وسيقوم الجنرال ضرورة بنفس الإجراء لمعاقبة لمزامزة ثم يترك هناك مركزا مماثلا في نقطة معينة قادرة على القيام بتحقيق إذعان لمزامزة وخضوعهم بصفة نهائية وتفكيك الوحدات المعادية في أولاد بوزيري وأولاد بن داود بمعنى جميع الجزء الجنوبي للشاوية.
وهذا لا يعني أبدا غزوا ولا احتلالا للأرض وإنما فقط إقامة مراكز مؤقتة لمدة معينة على مشارف الشاوية باعتبار ذلك الوسيلة الوحيدة للوصول إلى حل يجسد النتيجة المراد تحقيقها ويجنب التجوال في المجال دون موافقة دائمة.
أن الاستعلامات الأهلية ونتائج الخبرة في برشيد ومديونة سهلا هذه المراعاة وهذا الاعتبار، وجعلني أعتقد أن المعلومات المجمعة صحبة النسق المنجز جعل مسألة الشاوية مسوية على انفراد، وأن القانون والحياة الاقتصادية أصبحت عادية مؤمنة من كل الأخطار والاشتباكات دون انعكاس ذلك على النواحي المجاورة ما عدا تغيرا في الوضعية السياسية العامة الطارئة في هذه الأثناء.
وتحت هذا الاحتياط هناك حركة سياسية جادة سواء تنافست فيها المراكز المؤقتة مع الحركة العسكرية وفي ضوء هذا الاحتياط العملي فإن القوات الجديدة ستوضع رهن إشارة الجنرال دماد لاستخدامها وقت ما بدا له أن ذلك يؤدي إلى استتباب الأمن والنظام بالتعاون مع السلطات الأهلية المحلية وأعتقد أنه يجب متابعة المخطط المعد لإقامة مراكز حول محيط الشاوية دون إهمال المواصلة جمع المعلومات اليومية المضادة لأنصار مولاي عبد الحفيظ حتى لا يخترقوا صفوفنا ويعترضوا حركة قواتنا”.