«لم تؤد العمليات المصاحبة للزحف الفرنسي إلى فاس، والجولات التي قامت بها القوات الغازية مصحوبة بالقوات الشريفة المؤطرة من طرف البعثة العسكرية الفرنسية، والتي أدت إلى احتلال مكناس والهضاب المجاورة، إلى تهدئة المناطق الجبلية المتاخمة لجنوب فاس، حيث يوجد عدد من الفخذات المهمة من قبيلة بني امطير التي ازدرت الدعوات الموجهة لها من قبل قوات الغزو، لأنها ببساطة لا تريد وضع أسلحتها.
وهكذا فقد قرر الجنرال موانيي أن يرهقها بسرعة تحركنا وشكل قواتنا، وصمم على إظهارها لهم حيث يتواجدون مهما بعدت أماكنهم، لإقناعهم بعدم جدوى مقاومتهم التي ستتحطم دائما على سرعة ردنا وقوة زجرنا.
يوم 22 يونيو، توجهت قواتنا من فاس إلى مكناس، حيث تجمعت هناك مجموعات: برولارد، وكورو، ودلبيز؛ ويوم 24 منه، قام دالبيز بجولة في جبال زرهون مارا بمعسكر بيتيجا، ويوم 29 منه، ظهرت كل تلك القوات بمدافعها مرابطة أمام قصبة الحاجب عش العقاب المرتفع بـ1000م، والذي يعتبر المركز السياسي لبني امطير، حيث دخلتها دون مشاكل مع المتمردين الذين تأثروا من جراء ذلك الإقدام، فاستقبلوا الحامية الشريفة التي نظمها موانيي، وقدموا لها الطاعة طالبين الأمان، فلبي طلبهم وقبلت طاعتهم.
كروان وزيان هم أيضا بدورهم طلبوا الأمان، لكن ذهبوا إلى فاس لتقديم الولاء أمام مولاي حفيظ، وفي نفس اليوم 29 عادت القوات إلى مكناس للراحة قبل أن تتوجه إلى فاس لاستعراض أمام السلطان يوم 14 يوليوز، وبعدها اشتبكت مع آيت يوسي التي هاجمت ناحية صفرو ودفعت غارتها إلى سهل فاس.
عمليات الجنرال ديت غرب الرباط تم تحويل برنامجها لفتح الطريق بين الرباط ومكناس» ص.260.
«لقد جددت زمور هجماتها علينا انطلاقا من غابة معمورة، حيث تم اعتراضهم من قبل قوات الكولونيل توبي أثناء عودته من مهمة استطلاعية، وقطعوا الأخشاب جهة القنيطرة دون أن يحدثوا فيها خسائر.
الجنرال دوتي عزم على إحاشة زمور في الغابة التي تمر منها القوافل العسكرية، وقد نجحت العملية وطلب عدد من الفخذات السلام؛ وأقام مركزا للمراقبة في سيدي علال البحراوي باسم «معسكر مونود»، وهذه أول طريق تفتح بين البحر وفاس مباشرة، إضافة للأولى المارة من القنيطرة لالة يطو سيدي كدار بيتيجة، فكونتا معا نصف دائرة.
قبل موانيي طلب الالتقاء في تيفلت بين القوات القادمة من مكناس والقادمة من الرباط، وهكذا غادر موانيي بقوة كبيرة صحبة دلبيز، وبرولارد، وكورو، وقد كانت مجموعة كورو في الطليعة، حيث خاضت معركة قرب سوق الأربعاء مع آيت سبو، حيث لقن فيه درسا قاسيا لزمور الذين كانوا يقطعون الطريق على القوات الفرنسية عند مرورها بأطراف الغابة وفرض عليها غرامة ثقيلة، وذلك يوم 3 منه.
يوم 8 يوليوز، الجنرال ديت وموانيي، التقيا في تفلت، وتمت إقامة مراكز حراسة على الطريق التي مرت منها القوات بين مونود ومكناس وفاس عبر تفلت، بعدها عادت القوات الفرنسية إلى صفرو بعدما وصلتها أخبار مزعجة من هناك، كما أن إسبانيا منذ 9 يونيو بدأت في إنزال قواتها بالعرائش، واحتلت القصر، كما أن الألمان أرسلوا بارجة قبالة أكادير» ص.261.
الجنرال موانيي انتهز فرصة رجوع قواته إلى الشاوية ومهدية ومكناس، فقسم القوات المختلطة التي أرسلت للمغرب، بين الجنرال برانلي في الدار البيضاء، والجنرال ديت في مهدية، والجنرال دلبيز في مكناس؛ والتي تتكون من 6 أفواج مشاة استعمار، و3 قناصة سنغاليين، و4 زواوا، وفوج واحد مشاة ثقيل إفريقي، وفوج ونصف لفيف أجنبي، و5 سرايا هندسة، و7 بطاريات 75، و3 متروبول 65، و5 سرايا قناصة أفارقة، و3 صبايحية، وسرية قطار، وفرقتان من كوم الجزائر، و6 فرق من كوم الشاوية، وفوج الخدمات؛ وقد بلغ مجموع القوات 27000 رجل» ص.261.
وحول تهدئة القبائل، كتب كيار، قنصل فرنسا بفاس، إلى السفير الفرنسي دوبيليي بطنجة:
فاس 22 يونيو 1911، جاء بها:
«تهدئة القبائل متواصلة، أعيان زرهون وشرفاء زاوية مولاي ادريس خضعوا بصفة نهائية وكذلك لبهاليل ومدينة صفرو، شرق اشراردة وبني احسن طبعا هم بدورهم خضعوا ماعدا بعض الفخذات الذين هم أيضا بعثوا أعيانهم للتفاوض بطلب من ضباط مراكزنا التموينية القريبة منهم، والتي ما تزال لديها السلطة الكافية للعمل في مواجهة غارات زمور عليها، موقف بني امطير بقي متصلبا إلى آخر يوم لإعلان خضوعهم هم ومن سايرهم من القبائل الصغرى شرق سايس، مثل ادخيسة وأولاد انصير، وقد ساعد موقفهم ذاك على إعاقة المواصلات بين مراكزنا ومكناس بعد دخول موانيي إليها، لكن منذ أيام تمت حركة خضوع كبيرة في بني امطير، وايت عياش، وايت نعمان، حيث بعثوا إلى ممثلينا بطلب مساعدتهم على تسهيل تنفيد خضوعهم ومساعدة أعيانهم للتوجه إلى فاس لمقابلة السلطان.
فخذات من بني امطير الموجودة قرب مكناس قدموا نفس الطلب للشريف لمراني، المخزن وافق على إعطاء الأمان لكل الأعيان الذين أرادوا الذهاب لفاس من أجل تقديم الطاعة للسلطان لكن لم يقبل خضوع قسم من الفخذة لأن الخضوع يجب أن يعم الفخذة بأجمعها حتى إذا ما تم انشقاق البعض فيها فإن الجماعة تتكلف بها وترغمها على الإذعان لما سلف من عهود، ولذلك عاد الممثلون لأماكن تواجدهم قصد التشاور في كيفية التصرف في ما طلب منهم والوصول إلى خضوع حقيقي.
نحن ندرك أن موسم الحصاد قد سرع من جنوح بني امطير للخضوع وتأمين المواصلات بين مكناس وفاس، ورفض طلب خضوعهم حتى يكون شاملا بالضغط عليهم بما يخشونه من تلف محصولهم الزراعي ليكونوا مثلا لغيرهم من القبائل العاصية.
من أجل هذا الهدف توجه موانيي إلى مكناس، حيث وصل يوم السبت، وتوجه إلى قصبة الحاجب مركز مقاومة بني امطير، حيث يجتمع الخاضعون والثائرون، ومنه سينطلق للهجوم على الثائرين، ثم يتوجه إلى فاس ويترك في الحاجب حامية شريفة تضم 1500 رجل بقيادة القبطان لوكلاي الذي يعرف المنطقة حيث مكث بها مدة مع الحامية الشريفة سابقا.
أعتقد أنه بعد هذه الحملة التي استمرت عشرة أيام سيكون خضوع بني امطير شاملا، الخطر الوحيد هو دخول بني امكيلد ساحة المعركة وكذلك زيان، لكن بعض المعلومات التي توصلت بها تفيد بأن هؤلاء البربر غير جاهزين للتدخل ما داموا لم يشعروا بالتهديد، لقد أخبرت هؤلاء الأخيرين عبر مبعوثين لي بألا يخشوا منا ولا من المخزن غزوا ما داموا لم يهاجمونا.
عندما وصل موانيي إلى صفرو، وفي طريقه إلى فاس تم تنظيم آخر القبائل المتمردة على المخزن من آيت يوسي، والتي أعتقد أنها لن تطرح أية مشاكل لاحقا لأن العملية قد هيئت من طرف القائد محمد بن عمر اليوسي الذي جاء مقدما خضوعه الشخصي للمخزن. السلطان أمر بأن يترك في صفرو حامية من حوالي 500 رجل، ومدفعين بقيادة ليوطنا هيكود، وقليل من بعثتنا العسكرية.
أعتقد أن خضوع قبائل ناحية فاس سيكون تاما في منتصف يوليوز، يعتقد هنا بعض الأوربيين أن هذا الخضوع ظاهري، وأن الفتنة ستنفجر من جديد بعد نهاية موسم الحصاد، ولكني لا أوافقهم الرأي، لأن الاضطرابات لن تعود إلى ناحية فاس، ولأن القبائل ستفي بوعدها للمخزن إذا ما التزم وعده بإلغاء العقوبات المالية المفروضة عليها، وعدم تنفيذ الترتيب.
يجب ألا ننسى من جهة أخرى أن البادية قد تكبدت خسائر كثيرة في الرجال والخيول وهي تريد الاستراحة من المعارك، الاتصالات مع تازة وشرق المغرب بقيت عابرة كما كانت في الماضي، وليس مثل المرة الأخرى التي قامت فيها قوة بمهاجمة البرانس والدسول وغياتة وبني وراين، بل تم الالتزام بالبقاء في الضفة اليسرى لأن الحكمة تقتضي عدم التجاوز للضفة اليمنى لنهر سبو، لما يتطلب ذلك من إذن حكومي زيادة على طول الحدود التي تنجم عن ذلك التجاوز.
موانيي سيغادر فاس خلال أسابيع، وسيترك حامية صغيرة في دار الدبيبغ، ليتمركز بمكناس كي يهيئ لعمليات ضد زمور، وتطهير طريق مكناس الرباط، الصعوبة الكبرى التي تعترضه هي سوء تنظيم المخزن، وغياب تام للموارد المالية» ص.379، رقم:409.