الوضعية السياسية بالمغرب من خلال مراسل مجلة إفريقيا الفرنسية

المخزن وأوربا وفرنسا
الإحساس بكره المخزن للأجانب لا يحتاج التأكيد ولو للحظة واحدة طيلة الشهر الجاري المنصرم، بقي وفيا لمنطوق الأمر الخفي أو الظاهر الصادر عن فاس -رغم تصريح مولاي عبد الحفيظ بأنه موال لفرنسا- رجال السلطان في مختلف مراتب المسؤولية ما يزالون يواصلون تصرفاتهم الكيدية بالنسبة للأوربيين ومحمييهم وخاصة المتعلقين بفرنسا ومن أمثلة ذلك:
في 1909 القايد الطيب الشرقاوي نهب دوار ولاد مسعود بالغرب لارتباطه بشراكة فلاحية مع الشركة الفرنسية “رواسنو”.
القايد الكرافس بالغرب أوقف بشكل غير قانوني في ماي 1909 شريكا فلاحيا لميشو بلير.
وفي يونيو شريك آخر فلاحي جزائري نهب وسجن بأمر من نفس القائد.
وفي شهر أوت حبس نفس القائد شريكا آخر لأحد الفرنسيين.
قائد آخر هو بوشتى البغدادي وضع في السجن ثلاثة جزائريين بدون سند.
وفي يونيو القايد الـﮕـداري ببني حسن سجن أحد المحسوبين عن المعمر ريبو.
وفي أوت خليفة القايد العسري المسمى الهاشمي سجن ثلاثة أتباع للفرنسيين، نفس القائد في أوت سجن شريكا فلاحيا لبرينو في لالة ميمونة.
وفي شتنبر وضع تحت الحجر محمي فرنسي، كل هذا ولم يقبل المخزن أيا من بلاغاتنا.
من جهة أخرى الأفعال التالية تبين أن مولاي حفيظ الذي صرح بنواياه الحسنة تجاه فرنسا لم يترجم ذلك في تعليماته السياسية لصالحنا، في الشاوية رفض رغم التزاماته مع الأسف الاستماع إلينا في اختيار هؤلاء الإداريين، وفي تافيلالت لم يتخذ أي إجراء لضمان الأمن وحرية المبادلات التجارية، حيث القوافل تنهب والأفراد يقتلون وقواتنا لم تستطع إثبات شيء على الحدود الجزائرية.
نفس الضغوط ونفس الإدارة المخزنية تترجم دسائس حول فجيج لقائد زناﮔـة، وأخرى لمولاي اسماعيل قريب السلطان في نواحي وجدة، زد على ذلك تشجيعاته لماء العينين بالسلاح والمال لقتالنا في موريتانيا وأدرار.
وفيما يلي باختصار مجريات أحداث شهر أكتوبر 1909م
5 أكتوبر: تم طرد مفتش شركة فرنسية هامة للرعي في الغرب بفاضة من خيمة القايد العسري هناك.
13 أكتوبر: بعض قياد الغرب تلقوا من فاس تعليمات سرية بمراقبة المحميين وحراستهم دون أن يكترثوا بتنفيذ ذلك.
11 أكتوبر: تم إفشاء سر من دار المخزن بفاس مفاده بأن السلطان يتواصل مع مولاي رشيد خليفته بتافيلالت الذي ما فتئ يطلب إعانة مالية منه تمكنه من مهاجمة المراكز الفرنسية جنوب وهران، وقد وعده بإرسال السلاح والذخيرة بمجرد ما يتوصل بها من آخر الطلبات من كل من ألمانيا وإيطاليا.
14 أكتوبر: كُتّاب القصر صرحوا بأن السلطان يعتبر أنه لحد الآن كأن شروط الجزيرة غير موجودة بالنسبة للمعادن وأعلن أن ظهيرا شريفا قد وقع مع الإخوان “مانسمان” يمنحهم امتياز استغلال معادن الريف.
16 أكتوبر: القايد العسري قائد العرائش اشتهر في كل أنحاء الغرب بابتزاز المحميين الفرنسيين وطلب من فاس إيفاد من يحصل نتائج ذلك العمل.
17 أكتوبر: أعلن في فاس أن مولاي عبد الحفيظ متخوف من أنَّ التدخل الأوربي قادم لحمله على الالتزام بما يطلبه الأوربيون مما يزيد في إذكاء الهيجان، وقد وعد وزيره الـﮕـلاوي بامتيازات خاصة في شمال المغرب إذا ما استمر في مساندته في مواقفه إلى الآخر، أو إذا ما أرغم على خوض الحرب المقدسة.
المعمرون الأوربيون وخاصة الفرنسيون أظهروا انزعاجهم.
الدهماء بدورهم la populace أبانوا في الطرقات العامة عن وقاحة غير مألوفة تجاه النصارى، والسلطان صار يتجاهل القناصل ولا يستقبلهم.
ممثل فرنسا لم يكن أحسن حظا من الآخرين، كما رفض كل محادثات مع كبار الموظفين الذين لم يستعينوا بشخصية مجهولة وغير معروفة عند عيسى بن عمر وزير الشؤون الخارجية.
20 أكتوبر: عند نهاية الاحتفال الديني باختتام رمضان، اجتمع السلطان مع كبار العلماء والشرفاء في فاس، وتلا عليهم قصيدة شعرية لا تتحدث إلا على شيء واحد ألا وهو الجهاد Djehad -لم يقل المراسل الحرب المقدسة كما درج على ذلك-.
22 أكتوبر: سفراء إسبانيا وفرنسا وإنجلترا اجتمعوا وتوجهوا جماعة إلى مولاي عبد الحفيظ للتباحث معه حول سوء المعاملة التي يتعرض لها محميوهم من طرف القياد فلم يستقبلوا سوى من طرف عيسى بن عمر وزير الخارجية الذي أرضاهم بتسجيل تظلماتهم وفي اليوم الموالي صدرت تعليمات جديدة من دار المخزن بدفع ما ينقص من الاعتمادات المخزنية لتسوية ديون المحتجين.
السلطان كذب بوقاحة، قضى وقته في ادخار المال ووضعه جانبا من أجل ما يسمى (صندوق الحرب المقدسة)، لقد كدّس منذ توليته ما يقرب من عشرة ملايين بسيطة.
شهود من مختلف الأصول أكدّوا صحة هذا الادخار المالي ويعتبرون ذلك حقيقة ماثلة للعيان، لقد جمع السلطان بحسب مختلف الشهود التمويل العسكري اللازم من مصادر بلاد المخزن يتمكن به من الوصول إلى رؤوس المتمردين كيفما كانوا.
26 أكتوبر:رسالة مخزنية أخبرتنا بمستوى البغض الخاص المكن لفرنسا من طرف رجال المخزن بآزمور على مقربة من المراكز العسكرية الفرنسية بالشاوية، حيث يوجب في هذه الأثناء تحديد طبيعة الغيرة الشرسة لهؤلاء المسؤولين بإظهار الكيد والتنكيل بأهالي الشاوية بصفة عامة والمحميين الفرنسيين بوجه خاص مبرزين شكل العقلية التي تطبع السياسة الحفيظية بحيث يتصرف الصغار عادة على شاكلة ما يرونه من ميول قادتهم، وهكذا أصبح المحميون يؤدون ضرائب أكثر مما هو متفق عليه في الوفق الجديد لاجتياز نهر أم الربيع.
باشا آزمور تضرع بحجة التعليمات الصادرة إليه من فاس، فصار يأخذ حاليا الجبايات لصالحه ملزما سكان الشاوية الراغبين في اجتياز النهر بثلاثة أمثال الرسم المفروض سابقا، ومع أن ضباطنا يقيمون في الضفة اليمنى لم يظهروا أي تذمر أو قلق من هذا الفعل المشين.
31 أكتوبر: تم غزو دوار المعاريف القريب من القصر الكبير من طرف القائد ولد مشير حيث نهبت كل ممتلكات ساكنة الدوار إما من أصل جزائري أو محميين فرنسيين.
وفي نهاية أكتوبر سجل بطنجة حضور الولي البوعزاوي أكبر محرك للثورة في الشاوية ضد قواتنا سنتي 1907-1908 وهو يتهيأ لإتمام مراسيم الحج إلى مكة، ولما توقف بطنجة قام جميع المسؤولين الكبار خصوصا الكباص وممثلي المخزن الشريف باستقباله وخدمته ومجاملته وذلك تنفيذا لأوامر صادرة من فاس إليهم.
وللاقتراب أخيرا من الجميع القايد اشعيلي قائد حركة الريفيين الذي كبّد الاسبان خسائر قاسية لم يخش القدوم إلى فاس آخر هذا الشهر مصحوبا فقط بعشرة فرسان من أجل أخذ النصائح من السلطان، واحتمالا؛ الأموال والأسلحة والذخيرة.
الاستقبال الذي حظي به من طرف المخزن يبين أن الإسبان هم الذين يرونه فقط متمردا وثائرا. ص389 طنجة 08/11/1909.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *