الحسبة في عهد التدخل الأجنبي إعداد إبراهيم الوزاني

استمر منصب الحسبة يقوم في المغرب بعمله الاجتماعي المفيد، لا يعترضه عارض ولا يعوقه عائق، إلى أن ظهر نظام الامتيازات الأجنبية في القرن الماضي وطغى، وصار الممثلون الديبلوماسيون والقنصليون يعترضون -لفائدة رعايا دولهم ومحمييها- على التراتيب التي تقررها الدولة والأحكام التي يصدرها ولاتها، فنال خطة الحسبة ما نال غيرها من الخطط بسبب التدخلات الأجنبية، ووقعت إهانة بعض المحتسبين كما حدث سنة 1297هـ/1879م حينما عزل متحسب طنجة لما تدخل وزير إيطاليا المفوض لفائدة ابن دلاّل يهودي، اعتقل حينما اختفى أبوه بعد ما استولى على أمتعة للناس كانت تحت يده .

ولما أمضيت سنة 1330هـ/1912م الاتفاقية المغربية الفرنسية التي أباحت لفرنسا أن تقترح على السلطان إدخال ما تراه مفيدا من الإصلاحات على المملكة المغربية، كان من بين الإصلاحات التي اقترحها إحداث مصلحة قمع الغش التي صدر بها ظهير 23 ذي القعدة عام 1332هـ/1914م فاقتطع هذا “الإصلاح” أهم اختصاصات المحتسب في السوق مباشرة.
ولما أحدثت المحاكم المخزنية التي كان يترأسها الباشاوات في المدن، والقواد في الأرياف، سلبت المحتسبين كثيرا من الاختصاصات التي كانت راجعة إليهم، وصارت تنظر في كل القضايا الجنائية التي من جملتها ما يقع من مخالفات في ميدان المعاملات، تلك التي كان المحتسب يحكم فيها بما أنزل الله ووفق الأعراف السائدة المقررة التي لا تتنافى مع الشرع الحنيف.
وفي الأقاليم الشمالية التي كانت إسبانيا تقوم فيها بدور الوصي شغل المحتسب منصب رئيس البلدية في المدن.
ولم يغفل السياسيون الوطنيون خطة الحسبة في جملة ما كانوا يهتمون به من إصلاح، فعندما رفعوا سنة 1934م (مطالب الشعب المغربي) إلى السلطان والسلطة الوصية، طالبوا بتسمية المحتسب رئيسا للمجلس البلدي مع إعطائه سلطات كافية لإقامة فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
وعلى الجملة فإن المحتسب لم يبق له -في عهد الامتيازات والوصاية الأجنبية- دور مهم في النوازل التي كان يمارس الحكم فيها، وصار دوره قاصرا على إعطاء بعض القضايا الحرفية قبل الفصل فيها من قبل المحاكم المختصة، إن اقتضى الحال استشارته.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *