جاء في كتاب «على عتبة المغرب الحديث» لمؤلفه «فريدريك وايسجربر» ترجمة عبد الرحيم جزل: “في النصف الثاني من شهر أبريل 1911، تم تعزيز القوات الفرنسية بالشاوية، البالغ تعدادها 7000 رجل، بـ14 كتيبة و15 سرية، وفرقة كوم من الجزائر، و4 بطريات، و3 فرق من الهندسة العسكرية؛ وقد تجمعت هذه القوات في المهدية ثم جعلت تحت إمرة الجنرال «موانيي» لاحتمال قيامها ببعض العمليات من دون أن تبيت لنية الغزو، فلما وصل نداء مولاي حفيظ اليائس إلى باريس تلقى الجنرال «موانيي» الأمر بالزحف على فاس، ثم الانسحاب إلى الساحل فور أن تستتب الأوضاع في المدينة.
وغادر رتل «موانيي» مهدية في طريقه إلى فاس يوم 11 ماي، بعد أن قضى على محاولة المقاومة في «سيدي عياش» و«لالة يطو» و«ضاية عيشة»، ثم اجتاز سهل «بني احسن» والمنطقة الجبلية في شرقي فاس من «باب تيوكة» و«عنق زكوطة» وقنطرة مكس.
وفي عشية وصوله إلى فاس كانت القبائل محاصرة للمدينة بشكل طوق يتراوح قطره ما بين عشرة كلومترات إلى خمسة عشر كلومترا، وفي ليلة 20 وصبيحة 21، رفع المتمردون معسكراتهم من «راس الما» فجأة، وارتقوا المرتفعات في الشمال الشرقي من فاس، وفي الساعة الرابعة بعد الزوال عسكر الجنود الفرنسيون في «دار الدبيبغ».
لقد نجح فيلق «موانيي» في الوصول إلى فاس، وأما موكب الإمداد المخفور من الكولونيل «كورو» الذي بلغ فاس عشرة أيام بعد، فقد تعرض للهجوم وتحتم عليه أن يظل يقاتل على طول الطريق” ص.191-193.
جاء في رسالة «دوبيليي» 301 إلى وزير الخارجية، من طنجة في 21 ماي 1911:
“الجنرال «ديت» بعث لي من القنيطرة يوم 19 ماي، المراسلة التالية:
الجنرال «موانيي» غادر «لالة يطو» يوم 17 ماي، مع الجنرال «دلبيز» والكولونيل «بريلار» مع حوالي 8000 رجل، و1700 جمل محملة بالمؤونة، لمدة 12 يوما والذخيرة المناسبة، قاصدا الحجرة الواقفة شمال «زكوطة»، حيث سيبقى له ستة مراحل للوصول إلى فاس إذا لم يكن هناك عارض.
غدا 20 ماي سينطلق الكولونيل «كورو» مع 2000 رجل لخفر قافلة من 1800 جمل تنفيذا للتعليمات الواردة” ص. 304.
وفي رسالة أخرى منه، مؤرخة بـ23 ماي رقم: 303، إلى وزير الخارجية، جاء بها:
“الجنرال «موانيي» بعث لي بالرسالة التالية:
بقي لي ساعتان للدخول إلى فاس، سأحل قبل الليل، جميع الأوربيين سالمون بالرغم من الوضعية الصعبة، لقد وصلت إلى الهدف دون إراقة دم، لقد استطعنا تفكيك تحالف القبائل العصاة حيث تقاتلوا مع بعضهم بالأمس، وتشتتوا هذا الصباح بعد بضع قذائف من المدفعية”.
وفي رسالة أخرى منه، رقم: 314، لنفس الوزير من طنجة، مؤرخة في 25 ماي 1911، جاء بها:
“بعث لي قنصلنا بفاس الرسالة التالية، مؤرخة في 21 من هذا الشهر:
وصل الكولون الذي يقوده الجنرال «موانيي» اليوم إلى فاس على الساعة الرابعة، وعسكر بـ«دار الدبيبغ» و«اكدال»، سكان فاس الذين كانوا يحتجون على القلاقل عادوا للهدوء منذ علموا بقرب وصول قوات الكولون، الانطباع المسجل حسن والحوانيت زينت بالأعلام في كل شوارع فاس، «بني امطير» غادروا «راس الما» في الليلة الأخيرة، وكذلك «اولاد جامع» و«لوداية» و«اشراردة»، ولم تتم أية مقاومة، وننتظر هل ستهاجم الحامية المرافقة لقافلة التموين أم لا، في رأيي لابد من الإسراع في إقامة الأمن حول فاس، لذلك لابد من مواجهة القبائل هناك، وأتوقع لقواتنا الانتصار لأن موسم الحصاد سيسهل مهمتها التي لولاه لكانت صعبة”.
ومما تجدر الإشارة إليه أن «فريدريك وايسجربر» علق على طلب السلطان نجدة القوات الفرنسية بقوله: “عندما حوصرت المدينة ووقع الرقاصة في يد المتمردين، وعاد السلطان وأرسل بثلاثة رقاصة في جهات مختلفة برسائل يلح فيها في طلب قوات فرنسية، فأفلح منهم واحد في الوصول إلى وجدة، ومن هناك أرسل ملتمس السلطان إلى باريس، وقد كان من حسن الصدف أن الحكومة لم تنتظر إلى ذلك الحين لتتخذ التدابير التي تتطلبها الظروف، فقد كان «رينو» أنذر منذ شتنبر 1910 بقيامهم بعصيان عام، وكان «كيار» بعده نبه في دجنبر إلى انهيار المخزن، وسعي القبائل إلى الاتحاد ضده، وكان «دوبيليي» قد بين في مارس 1911 التقدم الذي يعرفه العصيان والخطر الذي يشكله على الأوربيين بفاس، وما عاد بيد السلطان من المال ما يدفع به رواتب الجند، وامتنع لكلاوي أن يسلفه شيئا منه، وتدارك «كيار» ذلك الوضع بالتدخل لدى أحد الأبناك الفرنسية، فوجد منه القبول بإسعاف المخزن، وبذلك أبعد خطر الفرار الجماعي للجند” ص. 190.
أما الكولونيل «سانت شابل» فيقول في كتابه «غزو المغرب ماي 1911-1913»:
“يوم 21 ماي 1911، بعد منتصف النهار وصل الجنرال «موانيي» تحت أسوار فاس دون طلقة مقاومة، فأبرق للحكومة الفرنسية بقوله: “المعمرون الأوربيون أنقذوا”، لأول مرة فاس آمنة، وقد احتلت من طرف قوات أوربية جاءت لإقامة الأمن والنظام وإنقاذ عرش جلالة مولاي حفيظ المحاصر منذ ثلاثة أشهر بسبب الثورة عليه، هذه الحركة، خاصة في تاريخ المسلمين البربري، برهنت على خطأ التلويح برعب المغاربة الملوحين بالحرب المقدسة، معقل كره الأجانب ومنتهزي المآسي الفردية إذا لم تمسك فرنسا بالطرائد بسرعة.
لأول مرة بخلاف ما سبق لم يقم جنودنا بحمل السلاح من أجل إكمال غزو الجهة الشرقية لفاس المحرومة من وسائل الدفاع، بعدما رفعت القبائل حشودها قبل يوم 21 ماي، هذا اليوم الذي قام فيه ليوطنا «منجان» بالرمي على «اشراردة» آخر قنابله التي لم تنفجر إحداها”.