أبو يوسف يعقوب المنصور (ت 595 هـ)

سأل أبو يوسف رحمه الله فقيها ما قرأت؟ قال: تواليف الإمام قال: فَزَوَّرَني -حَسَّنهُ وقوّمه- وقال: ما كذا يقول الطالب! حكمك أن تقول: قرأت كتاب الله، وقرأت من السنة، ثم بعد ذا قل ما شئت.
قال تاج الدين ابن حمويه: دخلت مراكش في أيام يعقوب فلقد كانت الدنيا بسيادته مجملة، يقصد لفضله ولعدله ولبذله وحسن معتقده، فأعذب موردي، وأنجح مقصدي، وكانت مجالسه مزينة بحضور العلماء والفضلاء، تفتتح بالتلاوة ثم بالحديث، ثم يدعو هو، وكان يجيد حفظ القرآن، ويحفظ الحديث، ويتكلم في الفقه، ويناظر، وينسبونه إلى مذهب الظاهر، وكان فصيحا، مهيبا، حسن الصورة، تام الخلق، لا يرى منه اكفهرار، ولا عن مجالسه إعراض، بزي الزهاد والعلماء، وعليه جلالة الملوك، صنف في العبادات، وله “فتاوى”، وبلغني أن السودان قدموا له فيلا فوصله، ورده، وقال: لا نريد أن نكون أصحاب الفيل، ثم طول التاج في عدله وكرمه، وكان يجمع الزكاة، ويفرقها بنفسه، وعمل مكتبا للأيتام، فيه نحو ألف صبي، وعشرة معلمون، حكى لي بعض عماله: أنه فرق في عيد نيفا وسبعين ألف شاة .
وقيل: إن يعقوب أبطل الخمر في ممالكه، وتوعد عليها فعدمت، ثم قال لأبي جعفر الطبيب: ركب لنا ترياقا، فأعوزه خمر، فأخبره بذلك، فقال: تلطف في تحصيله سرا، فحرص، فعجز، فقال الملك: ما كان لي بالترياق حاجة، لكن أردت اختبار بلادي .
كان ابن رشد الحفيد قد هذب له كتاب الحيوان، وقال: الزرافة رأيتها عند ملك البربر، كذا قال غير مهتبل، فأحنقهم هذا، ثم سعى فيه من يناوئه عند يعقوب، فأروه بخطه حاكيا عن الفلاسفة أن الزهرة أحد الآلهة، فطلبه، فقال: أهذا خطك؟ فأنكر، فقال: لعن الله من كتبه، وأمر الحاضرين بلعنه، ثم أقامه مهانا، وأحرق كتب الفلسفة سوى الطب والهندسة.
وقال أيضا: قيل: إن الأدفنش كتب إليه يهدده، ويعنفه، ويطلب منه بعض البلاد، ويقول: وأنت تماطل نفسك، وتقدم رجلا وتؤخر أخرى، فما أدري الجبن بطأ بك، أو التكذيب بما وعدك نبيك؟ فلما قرأ الكتاب، تنمر، وغضب، ومزقه، وكتب على رقعة منه: “ارْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لَا قِبَلَ لَهُمْ بِهَا وَلَنُخْرِجَنَّهُمْ مِنْهَا أَذِلَّةً وَهُمْ صَاغِرُونَ” النمل الآية 37، الجواب ما ترى لا ما تسمع.
ولا كتب إلا المشرفية عندنا *** ولا رسل إلا للخميس العرمرم
ثم استنفر سائر الناس، وحشد، وجمع، حتى احتوى ديوان جيشه على مائة ألف، ومن المطوعة مثلهم، وعدى إلى الأندلس، فتمت الملحمة الكبرى، ونزل النصر والظفر، فقيل غنموا ستين ألف زردية، قال ابن الأثير: قتل من العدو مائة ألف وستة وأربعون ألفا، ومن المسلمين عشرون ألفا.
وفاته
ذكره أبو شامة، وأثنى عليه، ثم قال وبعد هذا فاختلفت الأقوال في أمره، فقيل: إنه ترك ما كان فيه، وتجرد وساح، حتى قدم المشرق متخفيا، ومات خاملا، حتى قيل: إنه مات ببعلبك، ومنهم من يقول: رجع إلى مراكش، فمات بها، وقيل: مات بسلا، وعاش بضعا وأربعين سنة.
قلت: إليه تنسب الدنانير اليعقوبية.
قال ابن خلكان حكى لي جمع كبير بدمشق أن بالبقاع بالقرب من المجدل قرية يقال لها: حمارة، بها مشهد يعرف بقبر الأمير يعقوب ملك المغرب، وكل أهل تلك الناحية متفقون على ذلك.
قيل: الأظهر موته بالمغرب، فقيل: مات في أول جمادى الأولى، وقيل: في ربيع الآخر، وقيل: مات في صفر سنة خمس وتسعين.
وقد يقال: لو مات مثل هذا السلطان في مقر عزه، لم يختلف هكذا في وفاته، فالله أعلم، لكن بويع في هذا الحين ولده محمد بن يعقوب المؤمني.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *