عرفت سنة 1907م احتلال كل من وجدة والدار البيضاء بعد معارك إبادية قام بها الجيش الفرنسي خاصة في الدار البيضاء وبلاد الشاوية جعل العضو البارز في مجلس النواب الفرنسي “جون جوريس” يكتب في جريدة لومانيتي عدد 4 شتنبر 1907م قائلا: “لقد أضفنا إلى إنجازاتنا مذابح وحشية في الدار البيضاء، إنها بادرة لإنجاز إنساني عظيم، إننا وحدنا نتحمل مسؤولية قنبلة الدار البيضاء التي تحولت إلى خراب مدينة يسكنها 30000 نفر” مصطفى العلوي “الحرب المغربية الفرنسية الإسبانية 1906-1936 ص:62.
جاء في مجلة إفريقيا الفرنسية عدد ماي يونيو 1917 مقالا تحت عنوان: عشر سنوات بعدُ: أي بعد احتلال الدار البيضاء:
في 30 يونيو 1907 قتلت الشاوية عمال ميناء الدار البيضاء، وفي 5 غشت تحرك بحارة البارجة كاليلي وفي 7 منه وصلت قوات الجنرال درود، وهذه التحركات فتحت المغرب للإصلاحات المعاصرة (..) الذي وضع سكته جنود الباخرة كاليلي (..) وبفضل جنود الجنرال درود الذين تمكنوا من التوغل في قلب المغرب الغربي وأتاحوا لفرنسا إقامة قاعدة للنشاط الذي يهمنا بالرغم من ردود الفعل الذي لم تمنع جهودنا من الاستمرار في الإصلاح بكل همة ودون انفعال (..) لأننا نرى أن مصير الدار البيضاء هو نفس مصير المغرب الفرنسي”، وإذا كان هذا التوصيف بعيدا عن المرحلة التي نحن بصددها 10 سنوات، فإن محدداتها كانت واضحة قبل وأثناء الغزو، إلا أن التضحيات التي بذلها المغاربة قللت من غلواء الغازين وجعلتهم يدفعون ثمن الغزو غاليا طيلة ثلاثين سنة لأن المغاربة كما قال النائب الفرنسي بالبرلمان “كودين” يرفعون السلاح عند أدنى إشارة ” افريقيا الفرنسية 1908 ص:32.
وهذا الإباء هو ما جعل القنصل الفرنسي بالدار البيضاء يصف المجاهد الشيخ البوعزاوي بالتعصب (1906م) كما اتهم قائد الدار البيضاء بالعجز، والتعصب أيضا. علال الخديمي، المعلمة 6/1790.
ومن المجاهدين الذين اشتهروا بالجهاد الشريف محمد بن المعطي بمدينة آزمور 1907م، حيث نظم عملية تهريب الأسلحة إلى مجاهدي الشاوية عبرها وعبر الجديدة المجاورة. الخديمي “المعلمة” 6/2349.
والمجاهد الويراوي موحا واسعيد من أشهر مجاهدي الأطلس المتوسط، كان من قواد المخزن في عهد الحسن الأول يقود محلة من 5000 رجل نظامي مجهز بأسلحة عصرية (..) شارك في قتال الشاوية 1907م وهو صاحب المقولة التي رد بها على العروض المغرية التي قدمت له من طرف صديقه الوزير لمنبهي وقائدي أبي الجعد وبني عمير لفائدة التهدئة مع الفرنسيين وهي: “أريد وجه الله ورسوله ولا أريد مقابلة الكفار واليهود” (“المعلمة” 22/7569).
وإذا كانت الجبهة الغربية حظيت بالاهتمام أكثر من الجبهة الشرقية حيث كان الجنرال ليوطي يواصل غزوه لبني يزناسن وأحواز وجدة، فلأن الفرنسيين كانوا يعتبرون أنها الأهم كما سلف بيانه وفي ذلك كتب وزير الخارجية الفرنسي لما زار طنجة:
“يعتبر قصف الدار البيضاء أهم من غزو بني يزناسن ومن احتلال سطات، لأنه أعطى انطباعا نفسيا وأمرا أوليا لسلطان المغرب، فحواه بأنه لن يمكنه أن يحكم كما كان في الماضي، إذ لابد له من التعاون مع فرنسا والرضا بكيفية الإدارة التي تراها مناسبة لبلاده Les débuts de règne de Mouley Hafid. افريقيا الفرنسية 1908 ص:46.
وفي خضم المعارك سواء بالجهة الشرقية أو في ضواحي البيضاء بالجهة الغربية تم عقد اجتماع يوم 16 غشت 1907م في الساعة 8 صباحا بين خليفة السلطان بمراكش مولاي عبد الحفيظ وأعيان مراكش والأمناء والعدول والطلبة والتجار وشرفاء دار المخزن والقياد والعلماء والفقهاء حيث ألقى فيهم مولاي عبد الحفيظ كلمة جاء فيها:
لقد استولى النصارى على وجدة والدار البيضاء، ولم يقم أحد بالمغرب للدفاع عن إخواننا المسلمين، والله تعالى كما جاء في القرآن الكريم لا يرضى بذلك، لقد تأثرنا بالغ الأثر بما جرى، فارتأيت جمعكم لمناقشة كفاءة السلطان وجدارته في ضوء ما جرى، وتبادل الرأي في من يصلح شرعا لتحمل لقب سلطان الجهاد.
-يقول المخبر وهو يهودي خريج الرابطة الإسرائيلية في رسالته إلى سفير فرنسا بطنجة-: “خيم صمت عميق على الجميع ومن بين المستمعين كان القائدان لكلاوي والكندافي الذي لم يتفوه أحدهما بكلمة مثل الآخرين، فعاود مولاي عبد حفيظ الكلام قائلا: إخواني كنت دائما أنبذ وأغضب من التسمية التي كنتم تودون منحها لي، لكنه لما شرح الله صدري في هذه الظروف لم يكن بُدٌ من قبول ما كنتم تعرضونه علي سابقا”.
-يضيف المخبر-: “وبعد توقيع البيعة خرج السلطان الجديد إلى المسجد، وعند خروجه من باب دار المخزن نادى المخازنية بقولهم: الله ينصر مولاي حفيظ على نية الجهاد، وكرر الناس ذلك النداء، وبعد إقامة الصلاة نادى المفتي ثلاث مرات باسم مولاي حفيظ سلطانا، ودعا له ولقبه بسلطان الجهاد” ص:3 من المرجع السابق.
وكان أول ما قام به السلطان الجديد هو إنفاذ محلة إلى الدار البيضاء لمساعدة الشاوية عُرفت بمحلة مولاي رشيد قائدها -وهو بالمناسبة عمه- الذي سبق أن قاد المحلة المخزنية على الحدود مع الجزائر في تافيلالت بعدما انضم إلى مولاي حفيظ لما بويع. حيث حاصر الدار البيضاء ومنع وصول التموين إليها مما أرهق الجيوش الغازية فبدأ يطلب قائدها درود بالسماح له بغزو سطات وتوسيع دائرة احتلاله مما أثار عاصفة من الاستجوابات داخل البرلمان الفرنسي خوفا من عواقب ذلك التوسع.
يتبع