تحت هذا العنوان الشامل أنجز روني لوكليرك مواضيع بعناوين مختلفة نشرت في مجلة إفريقيا الفرنسية؛ منها هذا الذي نشر تحت عنوانه: الوضعية الحقيقية بصفحة 117، بتاريخ: 1909م جاء فيه:
الاستقبال الذي حضي به سفير مولاى حفيظ من طرف رئيس الجمهورية الفرنسية كان مناسبة لرئيس البعثة الحاج محمد المقري للإعراب عن بهجة باعثة بتنظيم هذا اللقاء مراعاة للقوى الكبرى عامة وفرنسا خاصة، وذلك لمعرفة مقدار التأييد السياسي والحقوقي الخاص بالتشاور مع جيران المغرب.
معرفة المغاربة لدى عموم الفرنسيين يلزمه الكثير من العمل، هذا العموم بصفة عامة يصعب فيما يتعلق بالمعلومات الصحفية- بالتواصل الإعلامي، حيث صرح برضاه عن مهاراته التواصلية التي أبانت على أن الأمور تسير بشكل حسن في المغرب، وأن وضع فرنسا مشجع أكثر مما كان، الشعب الفرنسي يجهل الأهم عن المسألة المغربية حيث يمكن لوضعية البلاد أن يكون على استعداد ليترك الناس مواصلة الفوضى ويعودون في وقت قريب إلى مباشرة أعمالهم الفلاحية، وبالتالي يتسنى لمواطنينا الزهاد القيام بمصالحهم في النواحي المضطربة وهو ما يقدم للصحف الكبرى ارتياحا عاما لتهدئة النفوس بالمغرب ووضع سياسة جديدة مواتية لفرنسا.
الذي يعتقد أن المسألة المغربية في طريقها إلى الحل مخطئ بشكل غريب، يكفي من جهة أخرى النظر لكثرة العناصر بالمغرب للقول بأنه بلد متفرد في العالم، في الجنوب الشرقي والجنوب، هناك دولة بلا حدود في الأقاليم المتطرفة، يختلط مع حيازة الفرنسيين دون أن يكون هناك ما يسمح بالقول أين يبتدئ المغرب؟ وأين ينتهي؟ وفي الشمال الشرقي؛ البلد محتل من طرف القوات الفرنسية، وفي الشاطئ حيث تمتد ملوية إلى مليلية خاضع للمراكز الإسبانية، وفي الشمال موطن الريفيين يوجد خمسة أملاك إسبانية عبارة عن جزر مطوقة بين زفارين وسبتة، وفي الغرب هناك الدار البيضاء والشاوية المراقبة عسكريا من طرف القوات الفرنسية، ومن طنجة إلى موكادور هناك موانئ مفتوحة دون تهديد من مدافع أسطولنا البحري إلا في حالة ما إذا قام الأهالي بأي تهديد لنا.
وتأتي بعد ذلك سوس المحصورة بين الأطلنتيك وإيفني الموجودة ضمنيا تحت النفوذ الإسباني جنوبا، وادي درعا الذي يوجد حسب الاتفاقات تحت النفوذ الفرنسي المُحَد بكاب جوبي وبعده بحدود طويلة بوادي الذهب إلى حدود السنغال.
المغاربة في الرباط وفاس وطنجة خاضعون للسلطان مولاي حفيظ، وكذلك في مثلثات أخرى كثيرة شائعة معروفة بين مازغان ومراكش وموكادرو حيث يقيم السكان الصلاة باسم مولاي حفيظ، لكن نشاطهم في يد أحد القياد الثلاثة لكلاوي وسي عيسى ولمتوكي وهي تشكل بلاد المخزن.
فإذا كانت هذه النواحي تعترف بالسلطان فإنه هناك من لا يعرفه. كالريف وجبالة في الشمال والمناطق الجبلية وبعدها برابر الأطلس المتوسط في الوسط والأطلس الكبير وتافلالت وسوس ووادي درعة وواد نون بالجنوب.
كل هذه النواحي تبتهل إلى الله باسم السلطان لشرفه ونسبه، وترفض المخزن في تدبير أمورها الإدارية مهما كان شأنها.
هذه البلاد المستقلة أو بلاد السيبة مقسمة بين رؤساء محليين وذوي شهرة واسعة وشيوخ أو قياد مجهولين يعتبرون مستقلين مثل بوحمارة بين تازة وفاس، أو نصف مستقلين مثل الريسولي وماء العينين.
في التخوم الجنوبية دولة داخل حدود موانئها محتلة عسكريا تهددها المدافع الأجنبية في أقاليم يتقاسمها سلطان مع ثلاثة من كبار الإقطاعيين ولا متناهي من القياد المستقلين أو غير المنظمين، فإن لم يكونوا نهابا ولا لصوصا حيث الفوضى والخلاعة والفجور الإداري المرفق والمدعوم بحرب أهلية مستترة، ذلك هو مغرب اليوم.
النواحي المضطربة لا تعرف لها رئيسا تطيعه متجاهلة مؤسسي السلطان الفيلاليين في الوسط والشمال والشرق، وكل النواحي الجبلية إلى الصحراء. والحدود المشتتة المقسومة بين السلطان وكبار الإقطاعيين والمراكز الإسبانية والمدن والمناطق الفرنسية والموانئ الدولية مثل طنجة، وأخرى مراقبة من طرف البوليس الفرنسي، والإسباني.
هناك من يقول بأن المغرب منهار منذ أحد عشر قرنا؛ هذا صحيح، لذلك لم يكن يزعج الأجانب كما يفعل الآن مع الأوروبيين، فرنسا واسبانيا المتواجدتين على أطرافه حيث يتلقون منه رشاشا يثير حساسية متصاعدة لانهيار جديد.
فالعصر الوسيط والقرن العشرين لا يمكن أن يتساكنا ويتعايشا لابد أحدهما سيقتل الآخر.
كل الملاحظات تبرهن على أن كل التحفظات وأشكال صنع التساكن لم تمنع من تعقيد المسألة المغربية إلى أن يحل يوم يصبح المغرب أحسن ويعيش في سلام وازدهار، بعد أن يقضي على احتكاكات هذه القبائل المشتتة المجاورة للمعمرين الأوروبيين ذات الميل القصري للهمجية، ومخزنها المشتت والمنقسم والمتراجع دوما عن تطبيق الإصلاحات مع ما يلزمها من شروط لإنهاء الفوضى بدلا من العودة إلى ما يلحق أضرارا كبيرة بالمصالح الاقتصادية الأوربية ومستقبل فرنسا بالبلاد، ويؤدي إلى سياسة ناقصة لا يمكن إلا أن تكون معرضة للخطر.
يجب أن لا ننسى هذا التحديد عندما يحاول المخزن نسيان قضية “موشان” أو احتجاز “ماكلين” بشكل مأساوي والاستعداد لتجريب تطبيق بعض الشروط المنصوص عليها في عقد الجزيرة، في الوقت الذي قيل بأن الوقت قد حان للإصلاح؛ فكانت مجزرة الدار البيضاء وقنبلة المدينة واحتلال الشاوية الذي جاء للتذكير بحقيقة الوضع المأساوي وتعهدات المخزن، حيث كان كل مرة يسعى إلى تسوية مشكلة بتقديم إعلان عن ذلك ثم يحجم عن تنفيذه والقيام بما يحقق ذلك الكلام الطيب.
وعليه فمظاهر الإرادة الحسنة لم تعد كافية ما دام لم يتحول إلى اتفاقية حتى لا تنحيه الحكومة المغربية التي وعدتنا بالكثير ولم تنفذ إلا القليل مما التزمت به منذ 9 أو10 سنوات. مما راكم أنواعا من احتجاجات الفرنسيين لدى السلطان، وممثليه دون إنجاز ما وعدوا به.
لقد أخذنا ما يكفي من الخداع مما يجعلنا هذه المرة لا نسمح بضياع أي احتجاج شفهي أخوي أو توفيقي إصلاحي، فمستلزمات الوضعية تتطلب في هذه الأثناء من فرنسا محاكمة تصريحات حسن الاستعداد من طرف المخزن للأفعال وليس للأقوال والوعود والابتسامات التي تطبع النظرية المغربية في التعامل مع القضايا التي تهمنا.
المخزن وعد عند مقتل “موشان” باعتقال كل المتورطين في تلك القضية وإنهاء علاقته مع الشيخ ماء العينين واستدعاء مبعوثه إلى موريطانيا مولاي ادريس للدخول إلى شمال المغرب ووعد بتنفيذ التزاماته في الاتفاق الفرنسي المغربي لـ1901-1902 في المناطق الحدودية ومساعدتنا في ضمان أمن الممتلكات والأشخاص على الأقل بين ملوية ووهران، ووعد بالبحث ومعاقبة قتلة المنجميين وإقامة تمثال تذكاري لهم بساحة في طنجة مثلما فعل في العرائش مع القتيل الألماني الذي قتل بين مكناس وفاس منذ 8 أشهر.
المخزن وعد بتعويض كل الأشخاص المتضررين منذ 1902 والبالغة ملايين الفرنكات، في الوقت الذي استضاف فيه مولاي حفيظ بفاس ماء العينين ورجاله الزرق الذين استقبلهم بمراسيم بروتوكولية كسفراء وإسكانهم في نفس المكان الذي كانت فيه البعثة الإسبانية.
الممثل الشريف المعين من طرف عبد العزيز للإقامة بوجدة عاد إلى الرباط من عطلة منذ عدة شهور. هل عاد إلى وجدة؟ من يقوم بمهامه؟ ليس هناك أي خلاف مغربي فرنسي أو جزائري منذ 1901 …، صحيح أن هناك وعودا تعطى لفرنسا لكن خطوات التنفيذ تبقى منتظرة بحيث تعتبر المخزن الزمن أحسن مسكن بالنسبة للمطالب والحقوق التي يطالب بها من طرف مواطنينا الذين استثمروا مدخراتهم بعدما استقروا بمدن الساحل منذ بضع سنوات في حيوانات رأوها تسرق وتنهب ولا يحصلون على ما وعدوا به من تعويض، لذلك يجب الوقوف مع السلطان بحزم لإزاحة الخداع المغلف بالابتسامة وترديد “كل شي لا باس” وضمان أمن الفرنسيين والأوربيين في أموالهم وأنفسهم بعقد محدد يرضينا، فإذا قبل التعاون معنا وأبدى استعدادا حقيقيا لإتباع نصائحنا سيكون علينا من السهولة الاعتراف بالجميل (ص: 219/1902).